ترن ترن ترن تكرر الصوت غير المألوف داخل المترو، لم يكن يضاهي صوت إنذار قدومه، فطالما تسألت إذا كان هذا الإنذار المدوي للإعلان عن قدوم "الوحش"، فماذا لو كان الإنذار للإعلان عن حريق، لا قدر الله، في الواقع كانت هذه فرصة مناسبة للتعرف على إنذار الحريق. فبعد أن استقر المترو في محطة "سعد زغلول" بأقل من دقيقة، ينطلق صوت إنذار الحريق الداخلي في إحدى عربات المترو، وفي "بروفة" مصغرة ليوم القيامة، إذ بالهستيريا تصيب الجميع، السيدات تصرخن، والرجال يضربون العربات من الداخل طلبًا لفتح الأبواب، والأطفال يبكون، مع بعض حالات الإغماء، وسيدة مسنة تمسك كتفي بقوة وتصرخ وعلى وجهها علامات الرعب، لا أعرف سبب محدد لفعلها هذا، وأنا وسط كل هذا أحدث ال"ستاتس" على ال"فيس بوك" لأعلن أن جرس الإنذار الداخلي قد انطلق، مثلي مثل تلك العجوز لا أعرف سبب معين لفعلي هذا. ولكن الحمد لله كان إنذارًا خاطئًا، فقط انزلقت سيدة بين المترو والرصيف، وكاد ينطلق ويدهسها، ليس بشيء كبير لا أعلم لماذا نصر نحن المصريين على المبالغة، ثم إن مثل هذه الحوادث البسيطة تحدث كل يوم، فاذكر تلك السيدة المسنة التي أغلق الباب على يدها، واضطر البعض إلى حملها أثناء تخليص يدها منه حتى لا يقوم بسحلها على الرصيف، أو تلك الفتاه التي فقدت وعيها بسبب التدافع أثناء النزول فكاد الباب أن يغلق على قدمها، كما ترون، فالمترو ليس بهذه الوحشية! فهو معظم الوقت يكاد في حد ذاته يدعو للتفاؤل. لن أذكر بالطبع أن كل تلك الحوادث كانت في محطة "الشهداء"، بالتأكيد لا علاقة ل"الكارمة" بذلك، لا تفسر عزيزي القارئ أن لعنة ما سيطرت عليها لتجعل كل من ينزل بها من الشهداء المفقودة، وأعلم أنك سوف تحاول أن تحرجني بذكر أن حادثة إنذار الحريق كانت في محطة "سعد زغلول"، وأن هذا دليل قاطع على إن "مفيش فايدة"، إحم.. حسنًا ربما هناك حكمة ما. ولكن لا تنكر أن هذا الكائن اللطيف في نظري يزيد من الألفة بين البشر ويقلل مساحتك الخاصة، التي يمكن أن تسول لك نفسك في الرغبة في الحصول عليها؛ لأنك كائن غير اجتماعي كئيب. ففي المترو، يقف الناس في أحضان بعضهم البعض.. هل يوجد ألفة أكثر من ذلك !! كما إنه يعزز العلاقات الاجتماعية بشدة، فأتذكر تلك الفتاه التي ذكرتني بالمحطة التي يقف فيها المترو، وأنا أحدث أمي في الهاتف، بغض النظر إنها كادت أن تكون من أعز أصدقاء أمي، لكن هذا لا يمنع روح التعاون التي أبدتها، لا أعلم كيف تتجاهل كل هذه المميزات.. فهل تعلم سيدي أن المترو أصبح بمثابة سوق حرة تنافس الأسواق العالمية ؟!، نعم.. فأين لك بلعبة لحمادة وميادة إن لم تشتريها من المترو؟ أين لكي سيدتي ب"المقوار" السحري أو مقشرة الثوم.. كيف ستواجهين حماتك بدون مفرش الثلاجة أو غطاء لتربيزة المكوة؟ وأنت أيتها الجميلة، أين لكي بكحل مضاد للمياه مجرب أمام عينيكي؟ كيف ستبدين في "الهالوين" بدون "الروج السحري" الذي يتغير للون الأخضر ويعطيكي روح السحلية؟ ليس هذا فقط، فالمترو يقوي عضلة القلب والسمانة ويساعد على أن يكون لك نفس طويل في السباحة.. نعم ! مع المترو للرياضة مكان في جدولك اليومي المزدحم! وعندما تخرج من المترو بقوة الدفع، لاحظ هنا توفير سعرات حرارية، لا تتلفت خوفًا أن يراك أحد في هذا الوضع المخجل حيث، وضع ال"سندويتش"، فتذكر أغنية "الكينج" في هذه الحالة "ولا انكسار ولا انهزام" خاصة الجزء الخاص ب"النخل بصاص للسما" ولا أعرف سببًا محددًا لذلك، فقط تذكرها. وأخيرًا وليس آخرًا، لا تندهش، أو تتعجب أبدًا.. فإذا رأيت أحدًا بجانبك يضحك على نكتة ما على "النيوز فيد" أثناء تصفحك ال"فيس بوك" على هاتفك.. لا تندهش !، وإذا رأيت نموذجًا مصغرًا من الحرب العالمية الثالثة بين اثنين بدأ حديثهم عن أراء سياسية مختلفة وانتهى بكلمات تحذفها الرقابة إذا ذكرتها هنا لا تتعجب، ولا تشعر بالأسف على أي حال إذا لمحت نظرات الضباع الغاضبة في أعين أشخاص رأوا مقعدًا قد أخلى للتو، فقط استمتع بالرحلة الفريدة من نوعها المليئة بالإثارة والدراما والتشويق تحت رعاية إدراة العلاقات العامة للشركة المصرية لإدارة وتشغيل مترو الأنفاق.