كما وضعت النخبة والأحزاب السياسية الفريق السيسى فى مأزق وألزمته خياراً لا بديل عنه للترشح للرئاسة على خلفية ضعفها العضوى وعدم قدرتها على ملء الفراغ المطلوب، فإن حمدين صباحى أيضاً قد وجد نفسه لأسباب كثيرة فى مأزق لا سبيل أمامه للخروج منه سوى بالترشح للانتخابات الرئاسية. «السيسى» الذى وجد نفسه مضطراً إلى الترشح تحت ضغط فقدان الرأى العام للثقة فى الجميع عدا مؤسسته العسكرية، لا يختلف كثيراً عن «صباحى» الذى يخضع أيضاً لضغوط لا تقل تعقيداً عن تلك التى يواجهها «السيسى»، ويمثل ترشح «صباحى» لتلك الانتخابات الاضطرارية مخرجاً للمجتمع من مأزق تاريخى. الشعبية الطاغية التى يتمتع بها «السيسى» فى أوساط الرأى العام تدفع أى سياسى عاقل محترم للتفكير مرة واثنتين وثلاثاً قبل منافسة الرجل الذى يتمتع بحب وثقة الناس، لكنها فى المقابل شعبية تثير المخاوف على استمرار قيم كثيرة وإنجازات حققها المصريون خلال السنوات الثلاث الماضية. ربما يخشى «حمدين» من انكسار النجاح الذى حققه قبل عامين فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة ونجاحه فى أن يؤكد أنه الحصان الأسود والأقرب إلى الفوز، لولا منافسات سياسية وصراعات أعادته إلى المركز الثالث بين متنافسين اثنين واصلا جولة الإعادة معاً. لكن لن يجد «حمدين» من سبيل سوى أن يخوض الانتخابات مجدداً لحماية مبادئ التنوّع وحق الشعب فى الاختيار بين متنافسين جادين وفى انتخابات حقيقية، فقد أصبح «حمدين» الآن هو المرشح الحامى لمبادئ المنافسة الحرة والتعددية، وهى جزء من مفاهيم وثقافة ومبادئ خرج بها الشعب المصرى من تجربته الشاقة خلال السنوات الثلاث الماضية ولا يجوز التفريط فيها. وكما يخشى «السيسى» من تأثير ترشحه فى استقطاب اتهامات من بعض القوى والاتجاهات السياسية المحلية أو الدولية، فإنه يعلم جيداً معنى غيابه عن الترشح وتأثير ذلك على الرأى العام وإمكان انتشار حالة إحباط بين قطاعات واسعة من المصريين، فإن «حمدين» أيضاً يخشى من تأثر شعبيته وانخفاض نسب المصوّتين له، مقارنة بالانتخابات الأخيرة وتأثير ذلك على مستقبله السياسى، وهى مخاوف مشروعة، وإن كانت لا تختلف كثيراً عن توقعات سابقة أيضاً خابت وأظهرت النتائج خطأ من توقعها. المؤكد أننا نحتاج، وفوراً، إلى إطلاق مناخ ملائم لمنافسة شريفة وحقيقية بين المتنافسين للانتخابات الرئاسية تدفع الناس للترشح والمنافسة بدلاً من إثارة مخاوفهم من نتائج قرارهم بالانضمام إلى مضمار السباق، فخوض الانتخابات بمرشح وحيد جاد سيتسبب فى أبلغ الضرر بمناخ الحرية وحق المصريين فى اختيار رئيسهم من بين أكثر من مرشح. ربما يكتسح «السيسى» الانتخابات، لكن «حمدين» سيتسبب فى تكوين كتلة سياسية شعبية قوية تتيح معارضة سياسية فاعلة يستند إليها الرئيس المقبل فى إتقان تنفيذ مهامه الدستورية وفقاً للقانون، وليس وفقاً لشعبيته فقط، وستؤدى المنافسة بين المترشحين لتكريس وتعميق الديمقراطية وممارستها فى نفوس المصريين وتزيد من تمسكهم بها. «السيسى» و«حمدين» تجمعهما دوافع مشتركة.. أساسها المأزق المجتمعى الذى دفع بهما إلى الترشح، لذلك يجب ألا يترددا فى خوض المنافسة، فالفائز الأول هو الوطن، وسيكتب التاريخ أنهما تخلصا من نوازعهما الفردية وأسهما فى تحقيق أهداف مطلوبة فى هذه المرحلة. لا تتردد يا صديقى «حمدين».