يُعتبر التظاهر السلمى أحد أهم مكتسبات ثورة الخامس والعشرين من يناير؛ إذ هو تعبير مباشر من الجماهير التى تحرص على أن يصل صوتها إلى الحكام وإلى المجتمع وفى ذات الوقت تحافظ على الممتلكات العامة والخاصة. ومن المنطقى أن يهتم الحكام وأن يهتم المجتمع بالإنصات جيدا لطلبات المتظاهرين والعمل الجاد على تلبية المشروع منها. وفى ثورة الخامس والعشرين من يناير كانت المشاركة السلمية للجماهير خروجا على الظلم وثورة ضده وضد أفعاله من فساد ونهب منظم للثروة وتزوير فجّ للانتخابات النيابية والرئاسية، لذا شاركت الملايين من المصريين حتى انتصرت الثورة وأسست شرعية جديدة قوامها كرامة الإنسان وصوته الحر ومشاركته فى انتخابات شفافة نطقت بها صناديق الاقتراع حتى استقر الأمر باختيار أ. د. محمد مرسى رئيسا للجمهورية. فإذا كانت دعوة التظاهر، والمختار لها 24 أغسطس، خروجا على هذه الشرعية التى أسست لها جماهير الشعب فإنها تُعتبر خروجا على إرادة الجماهير وعلى نتائج الانتخابات وتعد -والحال هكذا- انقلابا على الديمقراطية ومحاولة لتفكيك الدولة وتجاوزا لمؤسساتها الشرعية مهما حاولت تلك الدعوات أن تُلبسها ثوب الحرص على الوطن. والزعم بأن هذه المظاهرات محاولة لإنقاذ الدولة من السيطرة الإخوانية الموهومة والمطالبة بحل جماعة الإخوان المسلمين فإن مكان هذه الدعاوى ليس أمام القصر الرئاسى ولا مقر الجماعة بالمقطم بل أمام منصة القضاء التى ارتفعت الأصوات مطالبة باحترام أحكامه، وإنه لأمر مستغرب حقا أن يطلب البعض تسليم مقرات الجماعة وأموالها إلى الدولة باعتبارها من المال العام، فإن المعنى العملى لهذا الإجراء هو العودة إلى سياسة التأميم ومصادرة حقوق الأفراد والجماعات لحساب الدولة فنعود بذلك إلى سياسات القهر والطغيان. وأشد من ذلك غرابة الدعوة إلى حل حكومة الدكتور هشام قنديل والسعى إلى تشكيل حكومة ائتلافية تمثل أطياف الشعب بمؤسساته الحزبية، وكان الأولى لأصحاب هذا الرأى أن يحرصوا على تكوين مجلس شعب يمثل كافة القوى السياسية، أما تشكيل الحكومة فهو بنص الدستور حق أصيل لرئيس الجمهورية الذى اختاره الشعب فى انتخابات حرة نزيهة. إن المقارنة بين 25 يناير بروعتها والمشاركة الجماهيرية الواسعة ومطالبها الشرعية ودعوى 24 أغسطس للإطاحة بحكومة جاءت عن طريق رئيس مدنى منتخب ولحرق مقرات جماعة أو حزب ساهما بإيجابية فى العمل الوطنى.. هى مقارنة لا يمكن أن يقبلها عقل سليم استوعب مكتسبات ثورة الخامس والعشرين من يناير التى لا يمكن بحال من الأحوال أن تتشابه مع دعوة تحمل فى طياتها روح الانتقام من منافس سياسى أثبت حضوره بين الجماهير بينما أصحاب هذه الدعوات يعترفون بألسنتهم بأن وجودهم بين الجماهير وجود هزيل فى حين يكتفون بشاشات الفضائيات التى أُنشئت خصيصا لتكون رأس حربة مسمومة للثورة المضادة التى لا يرى أفرادها إلا مصلحة أنفسهم والسعى إلى زعامات شخصية لا وزن لها فى الماضى ولا يرجى منها تأثير فى الحاضر أو المستقبل.