أتمنى ممن دعا إلى «ثورة» 24 أغسطس أن يدعو إلى صرف النظر عنها، والأسباب عديدة أبرزها الاسم نفسه. فليس كل من شعر بغضب أو أحس بضيق يسارع فيصدر بياناً يقول فيه: عن إذنكم.. رايح أعمل ثورة، ما هكذا يتصرف من توسم البعض فيهم أن يصبحوا رجال دولة، والذين باتوا اليوم فيما يبدو عملة صعبة فى بلدنا، فإطلاق لفظ «ثورة» على مليونية 24 أغسطس فيه استخفاف بمعنى الثورة فضلاً عن سوء توظيف واضح للكلمات، فالكلمات مغرية، والبعض لديه ميل إلى استعمال كلمات ضخمة فى غير مكانها، فتراه يسمى الإبرة مثلاً حفاراً، أو السمكة حوتاً، أو المظاهرة ثورة. وليس فى هذا استخفاف منى بموقف وإنما هو تبيان لمعنى. فالثورات لا تبدأ فى مواعيد معروفة سلفاً أو تسلك شوارع محددة مقدماً، الثورات كالسيل لا يُعرف لها وقت أو مسار، تسبقها مقدمات تظل تختمر إلى أن تنتهى فجأةً بوقوع الانفجار الكبير، كما أن البيان الأول للثورة لا يصدر قبل أن تنطلق وإنما مع انطلاقها؛ لكن الذاهبين «لثورة!!» 24 أغسطس لم يكتفوا بالدعوة إليها وإنما أصدروا بيانها الأول مبكراً فى الخامس من هذا الشهر متضمناً أربعة بنود وثمانية مطالب، كلها تضرب بشدة فى الإخوان المسلمين. فالجماعة كما رأى من كتب البيان لا بد أن تعاقب لأنها شكلت حكومة طائفية، وجمعية تأسيسية منحازة، وهربت السولار إلى الخارج، وتخابرت مع دول أجنبية، ومارست غسيل الأموال. وإذا كان من حق كل إنسان أن يسمى ما شاء بما يحب إلا أن الكلمات تبقى لها ضوابطها ومعانيها تماماً، كما أن للسياسة أدواتها ومراميها، وإذا كان التخوف من التمدد الإخوانى لدى كثير من المصريين فى محله، إلا أنه لا يُعالج بالدعوة إلى «ثورة!!»، فالبلد لديه قيادة جديدة منتخبة يجب أن تعطى الوقت للعمل، ثم إن النزول إلى الشارع حتى لو كانت مراميه نبيلة سيسمح للمندسين والفلول وقوى الثورة المضادة بتهديد الثورة الأم، ثورة يناير، فماذا لو انتهى الأمر لا قدر الله بسفك دماء جديدة فى الشارع؟ القوى المدنية عليها ألا تمزق الصف الوطنى، الأفضل لها أن تبدأ بنفسها فتعيد تنظيم صفوفها الممزقة. مصر ليس فيها غير ثورة واحدة، ثورة الخامس والعشرين من يناير، ويجب أن يظل هذا الاسم علماً مفرداً، فكم يمزق قلب الفرد منا أن يرى من خرجوا معاً فى يناير فى ثورة حقيقية وهم على شفا مواجهة لا لزوم لها فى أغسطس فى ثورة مفتعلة، من حق من لا يرضى أن يحتج ومن حقه أن يتظاهر؛ لكن الاحتجاج لا يفى بالغرض، ولا التظاهر يكفى، هناك شىء هام ناقص. أكثر المعترضين على الإخوان لديهم مخاوف مشروعة لم تلق بعد ما يناسبها من طمأنة، يخشون على هوية مصر المدنية. كما أنهم وطنيون محترمون يجب أن تؤخذ وجهات نظرهم بجدية وثقة، فهم لا ينطقون كفراً؛ لكن أدوات بعضهم فى هذا التوقيت بالذات مستفزة، مفهوم أنهم يشعرون بالظلم وهم يرون الثورة التى شاركوا فيها تذهب أرباحها إلى فصيل واحد؛ لكنهم ومختلف فصائل التيار المدنى فى مصر يظلمون أنفسهم أكثر، فقد ارتضوا بأن يكونوا ظواهر إعلامية، ولهذا بات عليهم أن يعيدوا النظر فى أدواتهم. ليس بالنزول إلى الشارع من خلال التظاهر والاحتجاج وإنما بالالتحام اليومى القوى بقضايا الناس وخدمة الجماهير وبناء رصيد طويل لديهم من خلال كوادر مدربة وتنظيم فعال، وقتها لن يقول واحد منهم عن إذنك رايح أعمل ثورة وإنما سيقول وبكل ثقة: عن إذنك، رايح أكسب الانتخابات.