فى أية دولة ديمقراطية من دول العالم يتجه أى شخص قرر الترشح فى الانتخابات الرئاسية إلى عقد اللقاءات والقيام بزيارات لأنحاء الدولة المختلفة، وتنظيم المؤتمرات الانتخابية، وحضور اللقاءات التليفزيونية، بهدف تقديم أفكاره وشرح برنامجه للناخبين، ولا بأس أيضاً من أن يقطع على نفسه مجموعة من الوعود التى سوف يبرّ بها خلال فترة زمنية معينة إذا نجح فى الوصول إلى كرسى الرئاسة، ومن حق الشعب والجهات الرقابية الممثلة له أن تحاسب من أصبح رئيساً على درجة التزامه ببرنامجه ووفائه بوعوده بعد ذلك. هكذا جرى العرف، وكذلك هى السنّة التى تلتزم بها أية دولة ديمقراطية. نحن الآن أمام تجربة فريدة من نوعها، بطلها الفريق أول «عبدالفتاح السيسى» وزير الدفاع، أما كاتب سطورها ومخرجها فهم تلك الفئة التى أزعجت الرجل بطنينها ولغوها وأخذت تقول له أنت المنقذ لهذا البلد.. أنت الأمل والمنى. كلام هذه الفئة هو الذى دفعنى إلى عدم التعجب، حين استمعت إلى الفريق «السيسى» وهو يعلن الشرطين اللذين وضعهما للترشح فى انتخابات الرئاسة. فقد قرر «الفريق» أنه لن يترشح للرئاسة إلا إذا نزل له الشعب يطالبه بذلك كشرط أول، وأن يفوضه الجيش بالإجماع لخوض انتخابات الرئاسة كشرط ثان. الفريد فى الأمر أننا لأول مرة نشاهد تجربة يشترط فيها المرشح على الناخبين، خلافاً لما يحدث فى أية دولة تحبو فى طريق ديمقراطية. فالمنطق الديمقراطى يقول إن الشعب هو الذى يشترط على من يريد أن يترأسه وليس العكس، وهو يفرز المرشحين المتاحين أمامه من خلال أفكارهم وبرامجهم، وما تحمله هذه الأفكار والبرامج من بنود تعد شروطاً مقطوعة، على المرشح أن يلتزم بها. الأنبياء فقط هم الذين كانوا يُدخلون الناس فى دينهم بالبيعة، حيث يبسط المؤمن يده ليبايع على الشروط التى يحددها له النبى. وأعتقد أننا جميعاً نتفق أنه ليس بعد محمد صلى الله عليه وسلم أنبياء. وليس أعجب من الشرط الأول الذى وضعه الفريق «السيسى» باحتشاد الشعب لمطالبته بالترشح، إلا الشرط الثانى الذى يطلب فيه تفويضاً من الجيش. ولست أدرى هل يقصد بذلك أن يفوضه أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة بالنزول، أم يقصد أن يتم جمع تفويضات من كل عسكرى مصرى بتفويضه؟ إننى أفهم أن الفريق لديه بعض القلق من خلع الزى العسكرى وترك وزارة الدفاع، وهو أمر يمكن تفهمه، لكننى أفهم أيضاً أن الفريق رجل عميق الإيمان بالله، وقد قال هو نفسه فى الندوة التثقيفية: «الكرسى مكتوب عليه اسم صاحبه.. واللى عاوزه ربنا هو اللى حيكون». فكيف تستقيم هذه النظرة مع ذلك الشرط؟! وفى تقديرى أن الفريق «السيسى» معذور فى طرح هذين الشرطين، والعلة فى تلك الثلة -أو بالبلدى الشلة- التى تزين للرجل الأمر. وربما فعل هؤلاء خيراً إذا خرجوا معلنين أنه لا لزوم للانتخابات الرئاسية من الأصل. فما الداعى للمليارات التى سيتم إنفاقها على عمليات الإعداد والتنظيم والتأمين لفعاليات الانتخابات.. فُضّوها سيرة.. بلا انتخابات ولا يحزنون!