انتهت من عملها في الوقت المعتاد.. تخرج في ضيق وملل.. تشعر بالبرد والحنين.. الحنين للا شيء.. للوجود.. لنفسها.. فتأتي لسعة البرد كالرصاصة تفيقها على وحدتها وتؤنس صمتها.. فهي تشعر بالتعب النفسي والجسدي.. فتتجه إلى محطة "القطار" للانتظار. هذه عادتها كل يوم ثلاثاء بعد آخر سفر له.. كان في نفس اليوم.. على نفس المحطة واليوم والساعة.. وكأنها تعيد ذلك اليوم.. رغبة منها أن يكون خدعة.. أو أن تجده منتظرها على نفس المحطة معلنا رجوعه.. فهي ملت الانتظار والأعذار. تجد مجلسا خاليا.. فتنتظر ... كانت هي مستمتعة بلسعة البرد.. والشوارع شبه الفارغة من التزاحم العشوائي.. مع تواجد مريح ومطمئن للبشر. تنظر رافعة رأسها في هدوء إلى السماء.. فهي صافية تتوهج بلونها الأزرق القاتم.. والقمر الساطع يملأ الوجود نورا.. فهي لا تعرف سر وفاقها مع القمر ففي اكتماله تشعر باكتمالها.. وكأنه صار الوجود منيرا كاملا.. حولها. تجلس وتنتظر.. فبدأت تشعر بالملل.. كأنها تنتظر القدر أن ينعم عليها بالسعادة.. تنتظر أملا في تغيير.. تفكر.. وتتذكر.. كعادتها.. تعشق الهدوء الشتوي. مع هذا الصمت الخارجي والفوضى الداخلية.. يظهر صوت ناعم.. شجي في الخلفية.. وكأنه مشهد سينمائي. "فيروز".. تطل وكأنه كان لا ينقص هذا المساء سوى.. "جارة القمر ".. يظهر الصوت فيقتحم خلوتها.. فتبتسم.. وكأن القدر لا يترك أحدا "حزينا". وتشدو.. "نحنا والقمر جيران.. بيتوا خلف تلاللنا" تتذكر غنوتها.. والغائب الحاضر.. تنظر وعينها مليئة بالدموع.. تدعو.. حوار خاص لا يتلصص عليه أحد، تبكي وتنظر للسماء، فهل هي صدفة كمال القمر في ليلة تمامه وصوت فيروز في خلفية المشهد.. في هذا المساء العجيب، وتنظر للقمر.. فما أجمل اللقاء هي والقمر وفيروز.. على مقعد الانتظار، وكأن بابا للراحة والسكون قد فتح على مصراعيه.. كانت تريد البحث عن مصدر الصوت وهذا من أضفى الراحة عليها، لتشكره. آخر قطار رجوع، لا أحد يأتي أو يذهب، هي وحدها في العزلة الشتوية والقمر، تترك الانتظار الحتمي وتتجه لانتظار الأرواح، تترك مقعدها لآخر.. ينتظر أو يودع.. ولعل كل انتظار به نهاية تشفي.. وبداية جديدة.