ماذا لو عادت إلينا بعض من أرواح أجدادنا الراقدين في قبورهم منذ مئات السنين، علنا سنكون امام حالة نادرة بل مستحيلة من الحوار، لا يحدث إلا في أحلام وخيالات البشر، ولكن لم لا.. فلتكن تلك محاولة مختلفة للعقل والسماح له بالوثب من حالة الثبات التي أصابته وحاصرت كل شيء، حتي المشاعر والكلمات وليس الاتجاهات في التفكير فقط. سيمضي الأجداد في الشوارع سائرين تحت الأضواء والأصوات الصادرة من كافة الأرجاء، سيكون لهم نظرات معبرة على حال السائرين بين جنبات الطرق، سينظرون إلى مظاهر التمدن والتطور الذي طالما ما أصبح بديهياً للاستخدام اليومي لدينا، وطبيعي لاستمرار حياتنا بالشكل الذي تعودناه. الأجداد سيكون لديهم كنزا ثمينا من القصص والروائع يجب أن ننصت لها جيدا، ولا نغض الطرف عن تفاصيلها، فهم قضوا أعمارهم دون إضافة من أحد إليهم، بل هم الذين كانوا يضيفون إلى عصورهم، وكان قرارهم أن يكون مرورهم على الحياة في رحلة الكون ليس بالعابر أو المنسي كالطير حين يهجر أرضًا ليس بها نفع ولا ماء، بل كان لهم موقف آخر في أن يذللوا كل ميولهم واتجاهاتهم نحو إقامة حضارة عظيمة تندثر تحت أقدامها كل الأطماع والغرائز، فالكل يساهم بنفسه في سبيل رقي الذات وتهذيب النفس، وصولاً لمستقبل تضامنوا من أجله، فأصبحت بلادا على مدار سنوات وقرون عديدة بطول مساحتها وعرضها شمساً للحضارة ومنبع أساسي للبشرية في كل مدارك المعرفة، ومازال فيض خير ما قدموه باق إلى يومنا هذا، بل نستكشف الجديد منه يوما بعد يوم. أجدادنا على طول الزمان في كافة عصور البشر لم يكونوا مخلوقات ذات أبعاد أخرى أو مواصفات آدمية خاصة، بل كانوا مثال بسيط للإنسان الذي قدر له أن يعيش ضمن عهود لم تسمع عن الحضارة في شيء، فكانت لهم الإرادة في أن يقرروا أن تكون حياتهم ذات قيمة لأنفسهم ولمن سيطأ الأرض من بعدهم في سائر الأوطان.. رحمكم الله أيها الأجداد. الآن الفرصة أمامنا سانحة تنادي من يستحقها، فلنأخذ خطوة الإرادة نحو تحقيق الانتقال إلى طريق الحضارة الذي انحرفنا عنه كثيرا منذ زمن، إما بفعل أعدائنا أو بفعل الميول الشاذة داخل البعض الضعيف منا. إقامة الحضارة لا تحتاج إلى السير في الظلام نحو مجهول، بل هي مكافئة لجمع من البشر قرروا كسر حاجز الثبات داخلهم، وأن يفكروا بإصرار ويبذلون جهدا، مقاومين كافة التحديات المادية والنفسية للوصول أخيراً لهدف عام قد تشبثت به العقول والأحلام ..بناء أسس الحضارة. حتي تتذكرنا الأجيال القادمة بقدر معقول من الاحترام والوقار. رحمكم الله يا أجدادنا.. فما زلنا إلى الآن نعيش علي توابع ما فعلتموه من عمل وجهد عظيم، صنعته أيديكم من أجل الرقي، فكانت مبادئكم على ما أعتقد تقول "لا بديل عن الحضارة".