يغطيها التراب ويأكلها الاستعمال حتى الهلكة، ويحوطها أكياسا وأوراقا طيّرها هواء الشارع لتستقر على فرشة أحذية وشنط مدرسية مستعملة على الرصيف، يجاورها كومة أسلاك مقطعة وفيش كهربائية غير صالحة وبعض المواد البلاستيكية حتى الملعقة، لا يمكن للوهلة الأولى أن يميز المارة أنها معروضات للبيع إلا حينما يلتفت على يمينه ليجد صاحبها جالسًا ينتظر زبونها. "فروشات" عدة ترسم ملاحم رصيف نفق إمبابة القصير بمحافظة الجيزة، لمعروضات مستعملة من ملابس وبقايا أحذية وأدوات كهربائية وموبايلات قديمة تتفق جميعها في الشكل المهترئ.. وتحدد زبائنها من "المطحونين" و"الغلابة". من "الزبالة" تتشكل بضاعة "نفق إمبابة" التي يتراوح سعرها من الجنيهين حتى ال15 جنيها: "أنا بلم بضاعتي من صناديق الزبالة وآجي أبيعها هنا.. بجيب الجِزم والكوتشات وأنضفها وأغسلها وبعدين أبيعها من 2 ل3 جنيه.. والغلابة زينا كتير"، تحكي "صابرين فتحي" (47 سنة) صاحبة فرشة أحذية وشنط مدرسة، التي تبيت ليومين على الرصيف لتوفير عشاء أولادها الأربعة بعد أن رحل عنها زوجها: "من إمبارح للنهاردة بعت ب100 جنيه.. ومش باجي غير يومين وبقية الأيام بنبش في الزبالة.. أدينا بنطلع تمن إزازة زيت أو سكر أو رز وأهي أي لقمة أوفرها لأولادي".
تخبئ "فرشة صابرين" حكايتها، إذ باعت كليتها مقابل 30 ألف جنيه بهدف توفير مسكن لها ولأولادها التي أخرجتهم من المدرسة بسبب المصاريف: "اضطريت أبيع كليتي علشان كنا بنبات في الشارع، وبناتي كانوا بتعرضوا لمحاولات تحرش.. وفي الآخر اتنصب عليا في فلوس الكلية ولا طُلت فلوس ولا حافظت على نعمة الصحة، أنا دمرت نفسي علشان أحافظ على بناتي".
تشير "صابرين" إلى صغيرها لتتذكر ما باعته أمس من جهاز ابنتها العروس لأجل توفير وجبة عشاء، وتتابع "مش مهم، المهم بناتي محدش فيهم مشي في الغلط ولا بنسرق ولا بنبيع مخدرات.. ما أتمناه كشك صغير وأوضة مِلك تؤوينا بدلا من الديون اللي علينا".
الحال لا يختلف كثيرا عند "فرشة" نجوى عبدالرحمن (53 سنة) التي تعرض عبايات وأحذية مستعملة تحصل عليها من جامعي القمامة: "بشتري شوية من اللي بيلموا زبالة ب50 أو100 جنيه، وفيه ناس بتجيب لي الحاجات دي لوجه الله.. بغسها وببيع الجزمة ب15 أو 20 والكويسة أوي ب30، أما العباية ب10 أو 15 جنيه".
تؤمن "نجوى" أن مساعدة الغلابة تفتح لها بابا من الرزق: "يعني ممكن أدي شبب لحد ماشي حافي معهوش فلوس.. ربنا يرزقني بشوال جزم وشباشب من عنده ببلاش". زبائن الحاجة نجوى ينشطون في مواعيد انصراف الموظفين حين يترجل بعضهم إليها للبحث عن ضالتهم، وبعضهم يأتون إليها من القرى "يشتروا الحاجة بجنيه وخمسة بدل من المئات في المحلات"، تقول "نجوى" التي ترى أن كوب الشاي المفروض عليها من صاحب "نصبة" أهم التحديات التي تواجهها: "لازم نشتري الشاي منه والكوباية ب2 جنيه". "تعليم الأطفال" ما تتمناه نجوى من فرشتها التي تجني منها يوميًا نحو ال50 ل100 جنيه.