لم تقف تلك الشابة الصعيدية عند إصابتها بشلل الأطفال، بل قررت أن تستغل إعاقتها في مساعدة أمثالها من ذوي الاحتياجات الخاصة، وتنمية مهاراتهم العقلية واستفزاز قدراتهم الفكرية. أمنية عبد المحسن.. أصيبت بمرض شلل الأطفال بعد أن تمت شهرها الرابع، نتيجة إعطائها جرعة تطعيم خاطئة سببت لها عجزا تاما في قدمها اليمنى، وارتدت على إثرها جهازا تعويضيا يعينها على الحركة. تروي أمنية أن أولى المشاكل التي واجهتها هي رفض المدرسة الإنجيلية التي تقدمت للالتحاق بها استقبالها، ولكن محاولات والدها المستمرة مع إدارة المدرسة أدت إلى قبولها في النهاية، "على قد ما ده كان مشكلة في البداية، على قد ما اتسبب في إن شخصيتي تكون سوية وما أحسش بإن عندي أي إعاقة، لإن كان عندي مدرسة اسمها إنجيل كانت دايما بتحسسني إني حاجة كبيرة وبتخلي زمايلي يلعبوا معاية زي أي طفلة، وده ساعدني على إني أكون متفوقة في المدرسة". تؤكد أمنية أنها كانت حسنة الحظ في رحلتها مع مواجهة الإعاقة، حيث تؤكد أن مدرسة الدعوة الإسلامية التي التحقت بها خلال المرحلة الإعدادية كانت سببا في إعانتها على تحمل "الابتلاء"، وتنمية روح التحدي والإرادة في قلبها، "كل مرحلة عشتها كانت طوبة في بناء حياة أمنية". الحياة الريفية والتقاليد لم تثن الفتاة الصعيدية عن استكمال حلمها، بل قررت أن تحصل على الثانوية العامة وتلتحق بجامعة بني سويف، فتكون سببا منذ اللحظة الأولى لدخولها، في إحداث تغيير حقيقي بالنسبة لكل ذوي الاحتياجات الخاصة، "لما كنت باقدم ورقي في مكتب التنسيق، لقيت الناس هناك بيقولولي ما ينفعش تقدمي هنا ولازم تروحي مكتب التنسيق الخاص بالمعاقين، فقررت إني أصعد القضية ورحت قناة شمال الصعيد وقلت إن ده تفرقة وده يزود الشعور بالإعاقة، وفوجئت بقرار رئيس الجمهورية بدمج المعاقين مع كل الطلاب ودخولهم الجامعة طبقا للتنسيق العادي". قررت الشابة العشرينية، بعد دخولها كلية الآداب قسم الاجتماع، أن تغير مفهوم كل المحيطين بها عن الإعاقة، حيث قامت بعمل أبحاث ميدانية عن أحوال الفتاة والمرأة المصرية في جميع المحافظات، وكانت ترصد كل الأماكن التي تعاني من قصور في الخدمات الاجتماعية والصحية، وكان جزاؤها أن يتم تكريمها من قبل الرئيس الأسبق حسني مبارك "نموذج مشرف من ذوي الاحتياجات الخاصة"، ويصدر قرار جمهوري بتعيينها مسؤولا للعلاقات الإنسانية والاجتماعية بجامعة بني سويف. تقول أمنية إن أسرتها كان لها دور كبير في تشجيعها، حيث كان والدها مرافقا لها في كل الزيارات الميدانية التي قامت بها، "وكان بيوصلني كل مشوار أحب أروحه بالعربية عاشان يسهل الحركة عليا". لم يتوقف حلم الشابة العنيدة عند حصولها على شهادة الليسانس وتعيينها بالجامعة، بل قامت بالحصول على شهادة الماجستير من جامعة بني سويف، وقامت، من خلال عملها كأمين عام للجنة المرأة للحزب الوطني المنحل بمحافظتها، بتنمية طاقات المرأة بتحويلها من امرأة مستهلكة إلى منتجة، "بدأنا نعلم الستات صنعات كتير زي الخياطة، واللجنة عملت دورات في التنمية البشرية، وساهمت في عمل بروتوكولات مع جهات كتير في التعليم الصناعي، عشان نحول المرأة الريفية إلى مرأة مفكرة بتستغل عقلها". "الدكتوراة هي حلمي"، بهذه الكلمات علقت أمنية على قرارها بإعداد رسالتها للحصول على شهادة الدكتوراة من جامعة بني سويف حول "كيفية تنشيط السياحة العلاجية بمصر"، لتعلن بذلك أن "مشوار الطموح لم يتوقف، وأن الإعاقة من الممكن أن تكون دافعا جيدا للأمام لا سببا في التأخر وإيقاف الحياة".