للعبادات ثمرات كثيرة، ومن أهم ثمراتها على الإطلاق أنها ملجأٌ ومفزعٌ فى أوقات الخوف والضيق والقبض والفزع والاضطراب خصوصا، فإذا ما نزل بالإنسان عارضٌ من عوارض الفزع، أو مضى فى حركة الحياة الصاخبة فألمَّت به مصيبةٌ، أو تشابكت أموره مع أمور الخلق، فحصل تقاطع المصالح والمقاصد، فخشى على نفسه ضررا وأذى، أو ابتُلِىَ بالاحتكاك بظالمٍ أو طاغيةٍ فتخوف على نفسه من العدوان، أو طرأ له أى سبب من أسباب الضيق والانقباض والوحشة، أو دخل فى صفقة أو معاملة لا يدرى عواقبها فامتلأ بالقلق العارم العظيم، فإن له مسلكين وطريقين لا بد منهما، أولهما: الإجراءات، والخطوات التى لا بد منها، من اللجوء للقضاء أو الشرطة، أو الخبراء الإداريين، أو استشارة أهل الخبرة الطويلة بكيفية التصرف فى أوقات الاضطراب، أو أن يخوض فى علوم الإدارة، ليتعلم علم إدارة الأزمات، أو غير ذلك من سائر وجوه الاستعداد والفصل فى المنازعات، وهذه الأبواب كلها هى المسلك الأول. والمسلك الثانى، الذى يَحْتَفُّ بذلك كله، ويحيط بذلك كله، وتنفتح به البصيرة فى ذلك كله، ويسرى كالماء فى ذلك كله، وتلوح به أنوار الفرج واللطف والأنس فى ذلك كله، هو أن يكون له معراج عجيب، يخرج به من ليل القبض، وظلمات الخوف، بأن يفزع إلى الله تعالى، قيوم السموات والأرض، ومالك نواصى العباد، والجبار القهار، ذى البطش الشديد، الحكيم فى تدبيره، الذى تخضع له رقاب الجبابرة، وتَذِلُّ له قلوب القساة والظلمة من العباد؛ لأنهم جميعا عبيده، وتحت سلطان قهره، فيفزع إلى الله تعالى، ويضج قلبه بالالتجاء إليه، والانطراح بكامل الفاقة والافتقار بين يديه، واستمداد الأمان منه، فإذا بالعبادة فى أوقات الفزع والخوف معراج ينفتح على باطن العبد بالسكينة، وتلوح به وجوه التصرف، وأسباب انفراج الأزمة، حتى إن سيد الخلق، صلى الله عليه وسلم، وهو أكمل الخلق أنسا بالله ومعرفة به وفهما عنه ويقينا فيه، كان إذا وقع الفزع فى زمانه يفزع إلى الصلاة تعليماً للأمة بهذا المسلك العظيم.. فروى أحمد وأبوداود بسندٍ حَسَنٍ وابن جرير عن حذيفة بن اليمان أن النبى، صلى الله عليه وسلم، كان إذا حَزَبه (أى: ألمَّ به) أمرٌ فزع إلى الصلاة، وروى ابن نصر المروزى، فى كتاب الصلاة، بسنده عن حذيفة، رضى الله عنه، قال: رجعت إلى النبى، صلى الله عليه وسلم، ليلة الأحزاب، وهو مشتمل فى شملة، يصلى، وكان إذا حزبه أمر صلى.. وروى أيضا عن على، رضى الله عنه، أنه كان يقول: لقد رأيتنا ليلة بدر وما فينا إلا نائم غير رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يصلى ويدعو، حتى أصبح، وقال الله تعالى: «وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ» (سورة الحجر: الآية 97)، فما التوجيه الإلهى فى مثل أوقات الضيق وانقباض الصدر؟ قال سبحانه بعدها مباشرة: «فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ»، فمن أهم ثمرات العبادة على الإطلاق أنها معراج سكينة فى وقت الفزع، تسرى به نسائم اللطف فى أوقات الضيق، ويستشعر الإنسان فى أوقات الاضطراب، والخوف أنه يركن ويحتمى بقيوم السموات والأرض، ومالك الأمر، وأن له ربّاً يسكن إليه، ويدعوه دعاء المضطر الوَجِلِ فيستجيب. (وللحديث بقية).