هناك مغالطة جوهرية مقصودة فى تسمية حزب سياسى بأنه «إسلامى» فى مصر. فالإسلام تنزيل من العلى القدير رحمة للعالمين، ولكى يتمم مكارم الأخلاق بين الناس، خلفاء الله فى الأرض. والحزب السياسى فى الأصل، باعتباره مؤسسة معنوية، لا دين له، أو إن شئنا فدينه هو الوصول إلى السلطة السياسية وتوظيفها لتشكيل المجتمع المعنى على صورة رؤيته للكون وبتوظيف برنامجه السياسى. ومعلوم أن الأحزاب السياسية لا تهتدى لا بالرحمة ولا بالأخلاق فى عملها السياسى، بل لا تتورع عن توسل نقيضيهما وأحط الوسائل للوصول إلى أغراضها السياسية. وفى سلوك ما يسمى بالأحزاب الإسلامية فى مصر شواهد دامغة على هذا؛ فلم يتوافق سلوكها السياسى أبدا مع تعاليم صحيح الإسلام، بل هى لم تتورع عن ارتكاب معاصٍ وآثام ذميمة فى منظور قويم الإسلام. إن الحزب الدينى يسعى بكل الوسائل السياسية للوصول إلى السلطة كى يستغلها لإقامة دولة دينية يحكمها شيوخ يدعون احتكار الدين ويصبغون المجتمع كله بالطابع الدينى وفق فهمه للدين، المتخلف والرجعى فى غالب الأحوال. وفى الخبرة المصرية أن هذه الأحزاب مدعية الصفة الإسلامية تبنت تفسيرا للإسلام متشددا ورجعيا ومعسرا على الخلق. وفى مصر أبدوا استعدادهم، وعملوا بجد، لهدم الدولة بتقديم بدائل للشرطة والقضاء والبدء فعلا بتجربتها، واتسم سلوكهم فى المجتمع بالتكفير والتعسير وترتب عليه كوارث من أنصارهم المضللين مثل مقتل الشاب فى السويس والشيعة فى أبوالنمرس. ولهذا، فإن معيار الحكم على ما إذا كان حزبا ما يُعدّ دينيا يجب ألا يتوقف عند معيار شكلى وسطحى مثل إن كان الحزب يقصر عضويته على فئات دينية معينة، وإنما يتعين أن يقوم الحكم على فحص معمق لأهداف الحزب وبرنامجه، خاصة فيما يتصل بمحكات رئيسية مثل المساواة فى المواطنة، بصرف النظر عن الجنس والدين، والنزوع إلى توظيف العنف فى السياسة. والأهم أن يقوم الحكم على سلوك الحزب فى سعيه للسلطة، أو عند إمساكه بها. والمعيار الأخير هو الأكثر حسما بالقطع. على سبيل المثال، عندما وصل حزب الإخوان الضالين، المسمى للمراوغة والخداع، بالحرية والعدالة، إلى السلطة فى مصر لم يترك أداؤه أى مجال للشك فى أنه حزب دينى، على النقيض تماما من جميع الوعود التى قطعوا على أنفسهم بالحفاظ على مدنية الدولة، ناهيك عن العصف بالحرية والعدالة كلتيهما فى البلد، بما أوجب شن الموجة الثانية الكبيرة من الثورة الشعبية فى يونيو/يوليو 2013 لإسقاط حكمهم. والاستنتاج الجلى أن مدّعى الانتماء إلى الإسلام هؤلاء لا يتورعون عن الكذب والخداع للوصول لأغراضهم من الوثوب على السلطة. لا ريب فى أن لجنة الخمسين لصوغ الدستور قد أحسنت صنيعا بمنع قيام الأحزاب على أساس دينى، وهو بالمناسبة نص غير مستحدث، فلطالما نصت القوانين على منع قيام الأحزاب على أساس دينى، ولكن القائمين على تطبيق النص ورئاساتهم، منذ المرحلة الانتقالية الأولى تحت حكم المجلس العسكرى، تغاضوا عن النص تسهيلا لتمكين تيار اليمين المتأسلم من سدة الحكم، إما تواطؤا أو خضوعا للابتزاز بالعنف. ولكن اللجنة بعدم توضيحها معنى الحزب الدينى، تركت ثغرة واسعة لما يسمى بالأحزاب الإسلامية، وليس لها بالإسلام أى علاقة، وكانت عنصرا فاعلا فى الكوارث التى جرها حكم اليمين المتأسلم والإرهاب الفاجر الذى ردوا به على إسقاط حكمهم شعبيا. اللجنة للأسف تركت لهم ثغرة للتملص من طابعهم الدينى تحت غطاء المرجعية الإسلامية الفضفاض. ومن الضرورى هنا التأكيد أن جميع الأحزاب المسماة بالإسلامية كانوا شركاء فاعلين فى حكم اليمين المتأسلم بقيادة الإخوان الضالين، وإن كان سعى الإخوان للاستئثار المطلق بالسلطة قد أوغر صدور باقى الأحزاب تلك ضدهم، ما تسبب فى شروخ فى تماسك التيار بين قيادته الإخوانية وباقى الأحزاب. حتى الأحزاب التى كانت تدعى الوسطية مثل حزب الوسط، انكشف القناع عنها. ولكن فى جميع الأحوال، أطلقت سلطة اليمين المتأسلم العنان لباقى الأحزاب الدينية فى مضمار صياغة الدستور ومجال صبغ المجتمع بالطابع الإسلامى المتشدد والمعسر على الخلق. وقد أفسدوا فعلا دستور 2012 المختطف بقيادة السلفية المتشددة التى لم تعلُ على الخداع المتعمد، وكانوا يضمرون تكملة الصبغة الدينية فى القوانين المكملة للدستور فى مجلس النواب الذين كانوا يطمحون للتغلب فيه مرة أخرى. كما قد انغمست جميع هذه الأحزاب لدرجة أو أخرى فى أعمال العنف والإرهاب الإجرامى التى قابل بها هذا التيار إسقاط الشعب له. ويوجد فى مصر الآن حوالى عشرة أحزاب دينية انبثقت غالبيتها عن أكثر جماعات اليمين المتأسلم تشددا وميلا للعنف. تضم القائمة «الحرية والعدالة» وحلفاءه من أحزاب «الأصالة والفضيلة والوطن» السلفية، و«البناء والتنمية» التابع للجماعة الإسلامية، و«الحزب الإسلامى» التابع لتنظيم الجهاد. والأهم ربما بسبب مشاركته فى إعلان خريطة المستقبل حزب النور السلفى، الذى يرى أن مادة منع الأحزاب على أساس دينى لا تنطبق عليه لأنه ليس حزباً دينياً. ولا ننسى محاولة إفساد دستور 2013 التى باءت بالفشل بسبب تعبير لجنة الخمسين عن جميع أطياف المجتمع المصرى، ولكن ممثل حزب النور السلفى فى اللجنة لم يألُ جهداً فى محاولة إفساد المواد المتصلة بهوية الدولة والمجتمع، لتعكس فهمهم المتشدد والمعسر للإسلام. ولما فشل، عند التصويت على المواد التى أقرتها اللجنة امتنع عن التصويت تماما، وعندما عزف السلام الوطنى عند انتهاء عمل اللجنة، امتنع عن أن يقف احتراما لرمز الوطن.