على ماذا يستند هذا الرجل فى اتخاذ قراراته الجريئة؟.. هذا هو السؤال المطروح دائماً، وبإلحاح، من مؤيدى الرئيس عبدالفتاح السيسى قبل معارضيه. وأخيراً جاءتنا الإجابة بشكل غير مباشر، لمن أراد أن يفهم، عبر اعتماد الرئيس لبرنامج منتدى شباب العالم فى نسخته الثانية فى شهر نوفمبر المقبل، بمدينة شرم الشيخ بجنوب سيناء. ويدور المحور الرئيسى لفعاليات المنتدى هذا العام حول رؤية مستوحاة من كتاب «الأعمدة السبعة للشخصية المصرية» للكاتب الراحل الدكتور ميلاد حنا. والأعمدة السبعة عبارة عن رقائق من الحضارات المتعاقبة التى انتمى إليها المصريون وتأثروا بها على مدى آلاف السنين، و كما حددها الدكتور ميلاد، مشيراً إلى أن الأربعة الأولى أعمدة تاريخية وهى كالتالى: العمود الأول يشير لانتماء مصر الفرعونى، والعمود الثانى: انتماء مصر اليونانى والرومانى، والعمود الثالث: انتماء مصر القبطى، والعمود الرابع: انتماء مصر الإسلامى، فيما ترتبط الأعمدة الثلاثة الأخرى بالموقع الجغرافى، فالعمود الخامس يشير لانتماء مصر العربى، والعمود السادس: انتماء مصر للبحر المتوسط، والعمود السابع: انتماء مصر الأفريقى. يقول ميلاد حنا، فى كتابه الصادر منذ نحو ثلاثين عاماً ضمن سلسلة كتاب الهلال، إن هذه الأعمدة السبعة تحتاج إلى «مايسترو» يكوِّن منها ومعها «سيمفونية»، ويوازن بمهارة بينها من جانب، وبين طموحات وتطلعات المصريين من جانب آخر. وأعتقد أن ما قصده الكاتب الراحل ب«المايسترو» هو الحاكم الذى يعى وحدة النسيج المجتمعى المصرى، رغم تباينه واختلافه، وطبيعة الشخصية المصرية المتفردة بتكوينها الحضارى، ومعها وبها يستطيع تحقيق الكثير، هذا هو رهان الرئيس السيسى، وسر جرأته. هو أولاً كمصرى تكونت سبيكته من رقائق الحضارات المتنوعة -تاريخياً وجغرافياً- امتلك وعياً وإرادة لتجاوز المرحلة الصعبة، وثانياً وثق فى وعى وإرادة المصريين، وهم من ذات السبيكة، لتحقيق الهدف نفسه. المصريون -عبر آلاف السنين- تجاوزوا أزماتهم، سواء مع المحتلين، أو الحكام الطغاة، أو حتى فى مواجهة المجاعات والهزائم فى الحروب. استندوا -عبر كل هذه السنوات- على الأعمدة السبعة. وإن تصدع أحدها لفترة، كانت الستة الأخرى معينة وحامية. ولتقريب الصورة، عندما اهتز عمود انتماء مصر الإسلامى فى السنوات الأخيرة، بفعل التطرف والإرهاب، تماسكت الشخصية المصرية، وها هى تنتفض فى اتجاه تصحيح الخطاب الدينى، وترميم العمود الأكثر تأثيراً الآن فى مكونها الحضارى. فى إطار تلك الأعمدة السبعة ستقدم مصر نفسها فى منتدى شباب العالم، وفى حضور آلاف الشباب من مشارق الأرض ومغاربها، وكل منهم -حسبما ينتمى إلى حضارة ما- سيجد له قاسماً مشتركاً مع مصر التى استطاعت -على مدار عصور طويلة- أن تكون مركزاً للتواصل بين العالم وحضاراته المختلفة. مصر التى تنهض الآن لا تنكفئ على نفسها، بحجة إعادة البناء، هذا ترف لا تملكه، والأعمدة السبعة لا تسمح به، هذا قدرها. رحم الله الدكتور ميلاد حنا الذى قدّم لنا هذه الأيقونة الملهمة، والتى يوضح لنا من خلالها أنه لا بأس من أن نتعرف على سنوات القهر والهزيمة والتخلف والاضمحلال الحضارى، لنعرف لماذا وصلنا إلى ما نحن فيه، ونتطلع إلى مستقبل أفضل. الكتاب على قيمته لا تليق به المغادرة بعد مقال واحد.. ونواصل الأسبوع المقبل.