من المؤكد أن الخطأ التاريخى والكارثى لجماعة الإخوان وممثلها فى قصر الرئاسة خلال فترة حكمهم، هو أنهم لم ينتهزوا فرصة صعودهم لسدة الحكم لينتقلوا بمصر إلى الأمام، ولكن غباءهم دفعهم لينتقموا من كل مصر.. نظروا إلى الخلف لفترات طويلة ولم ينظروا ولو للحظات إلى الأمام، كان كل حديثهم عن الأمس ولم ينطقوا بكلمة واحدة عن الغد، إلا فيما يتعلق بمشروعهم النصبوى أو كما أطلقوا عليه النهضوى، الذى أراه إحدى أكبر عمليات النصب فى التاريخ الحديث، حيث نصبوا باسمه على شعب ليس ليسرقوا أرضاً أو مالاً بل ليسرقوا وطناً بالكامل. السؤال المهم الآن.. هل تستوعب القوى السياسية المؤيدة لثورة الثلاثين من يونيو جسامة هذا الخطأ ولا تكرره؟ هل تستطيع أن تستخدم عيونها للنظر إلى الأمام وعدم التوقف للنظر إلى الخلف؟ هل تستطيع أن تتجاوز مشاعر الانتقام لتفكر بعقولها وقلوبها فى طرق بناء المستقبل والانتقال إليه انتقالاً آمناً؟ فى تقديرى أن هذه الأسئلة هى الأهم وأن الإجابة عنها ربما ترسم لنا شكل خريطة المستقبل، إلا أنه من دواعى القلق هو ذلك التكرار الممل لنفس خطأ الإخوان الذى أتابعه من خلال حديث بعض النخب وممثلى القوى السياسية من استدعاء مفردات انتقامية حين يتحدثون عن المستقبل أو خارطة الطريق، ممارسين نفس أسلوب الحديث الانتقامى ضد الماضى الذى تملكه الإخوان لفترة من الزمن.. لدرجة تجعل البعض يذهب إلى الترويج لمشروع الدستور الذى أعدته لجنة الخمسين بمقارنته بدستور الإخوان، وهى مقارنة خاطئة وظالمة لهذا المشروع من وجهة نظرى الذى أراه جاء لينصف الوطن والمواطن ويجب ألا تتم مقارنته بدساتير سابقة، ولكن الأهم هو شرح وطرح ما جاء به هذا الدستور جديداً، وفى وجهة نظرى أن أهم مواد هذا المشروع للمواطن والوطن هى المواد (17، 18، 19، 21، 23)، حيث تضمنت المادة السابعة عشرة إلزام الدولة بتوفير معاش مناسب لصغار الفلاحين، والعمال الزراعيين والصيادين، والعمالة غير المنتظمة وفقاً للقانون.. كما تضمنت المواد من الثامنة عشرة حتى الثالثة والعشرين إلزام الدولة بتخصيص نسبة 3% من إجمالى ناتج الدخل القومى للإنفاق على الصحة والرعاية الصحية للمواطن وهو ما يساوى مبلغ 60 مليار جنيه من الموازنة العامة للدولة، وكذلك إلزام الدولة بتخصيص نسبة 4% من إجمالى ناتج الدخل القومى للإنفاق على التعليم وتطويره، وهو ما يساوى مبلغ 80 مليار جنيه، وكذلك تخصيص نسبة 2% من إجمالى ناتج الدخل القومى للإنفاق على التعليم الجامعى وهو يساوى مبلغ 40 مليار جنيه، وأخيراً تخصيص مبلغ 1% من إجمالى ناتج الدخل القومى للإنفاق على البحث العلمى، وهو ما يساوى مبلغ 20 مليار جنيه.. هذه المواد جاءت لتنقل مصر إلى مساحة أخرى من التفكير والفعل، فهى تهدف إلى وضع مصر فى مصاف الدول المتقدمة ولا تقدم ممكناً دون تعليم جيد وصحة جيدة ودعم حقيقى للبحث العلمى، وكل هذا دون إنفاق مادى مناسب من الدولة لن يتحقق. يجب أن يعى كل السياسيين والنخب الثقافية أن الرهان الحقيقى للوصول إلى حشد غير مسبوق للمشاركة فى الاستفتاء ونسبة غير مسبوقة للموافقة على مشروع الدستور لن يأتى بأن نظل داخل الصندوق النمطى من التفكير الانتقامى، أو من خلال استنساخ خطأ الإخوان الكارثى بالنظر إلى الخلف وظلم هذا المشروع بمقارنته دائماً بدستور الإخوان، يجب أن نعمل على إيصال رسالة إيجابية عن مشروع هذا الدستور والتأكيد على عدم الاستهانة بصندوق الاستفتاء الذى أراه أنه وسيلة نقل هذا الوطن لمستقبل أفضل، خصوصاً إذا جاءت الأصوات الموجودة بالصناديق مقتنعة ومؤمنة بأهمية مشاركتها ومؤمنة بأن هذا الدستور هو الضمانة الحقيقية لأبنائنا وأحفادنا من بعدنا، فلنعمل جميعاً على صنع مستقبل نتمناه لهم ونتمناه لهذا الوطن العزيز..