مر أحد الصالحين بحلقة فى المسجد، فقال: لعلهم فى ذكر الله عز وجل أو فى تلاوة للقرآن، فلأجلس معهم. فلما جلس وجدهم لا يحسنون غير الحديث عن بيوعهم وتجاراتهم وأموالهم وآمالهم، وربما وقعوا فى الحديث المحظور من الغيبة ونحوها، فقال: أتدرون ما مثلى ومثلكم؟ كرجل كان يسير فى الطريق فأمطرت عليه السماء، فرأى جدارا كبيرا، وبابا عظيما مفتوحا، فقال: أدخل لعلى أختبئ من هذا المطر الشديد، فدخل فإذا البيت بلا سقف، لا فائدة فى الجلوس معكم. ثم قام وتركهم. ما قيمة أن تقرأ آيات الله بالليل وبالنهار ثم لا يكون لها واقع فى حياتك ولا أثر فى أخلاقك؟ ما معنى أن تقرأ مثلا قوله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِى صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ العَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لآمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الوَارِثُونَ﴾ [المؤمنون:1-10]، ثم لا تسأل نفسك: هل أنا من المؤمنين المفلِحين، أو إن عملى يَقْصُرُ عن بلوغ درجتهم؟ وكيف أبلغ من التزكية والسمو مبلغهم؟ ما معنى أن نواظب بانتظام على قراءة منهج قرآنى مرتب أساسا لأنْ ينتج شخصا قرآنيا، متوازن الفكر، وسطى الفهم، سليم العقيدة، صحيح العبادة، حسن الأخلاق، ذاتى الحركة، إيجابى النظرة، واقعى الطموح، مألوف الطباع، مرجوَّ النفع، منظما فى شئونه، مجاهدا لنفسه، ناصرا لدعوته، مرشدا لأمته، ناشرا لدينه ومبادئه، دائبا فى تحقيق رسالته، ثم تمر الأيام والأوقات ونكرر الختمات من غير أن نبلغ هذه الأهداف، أو نتحقق بهذه الأوصاف، بل نستمر على السلبية واللامبالاة والإمعية، ونواصل الأنانية والأثرة وحب الذات، ونتابع حياتنا فى إهمال وفوضوية بلا هدف سامٍ نسعى لتحقيقه؟ إذن، فالقرآن لم ينفع هذا المجتمع الذى ليس أهله على مستوى التعامل الصحيح مع المنهج، وليسوا على الاستعداد النفسى المناسب لتلقى فُيُوضاته والاستضاءة بأنواره، وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً﴾ [الإسراء: 82]، فمن أى الفريقين تحب أن تكون أيها القارئ العزيز؟ وعلى أى شىء عزمت فى التعامل مع آيات الكتاب الكريم؟ نسأل الله الثبات والرشاد والتوفيق لما فيه خير الدنيا والآخرة.