فقدت، أمس الأول، أستاذى الجليل الدكتور عبدالملك عودة عن عمر يناهز 84 عاماً عاشها راهباً فى محراب العلم والبحث والتدريس. والدكتور عبدالملك هو «أبوأفريقيا»، بمعنى أنه الخبير المتعمق الأول فى دراسة الشئون الأفريقية، وهو مرجع عالمى فى شئون أنظمة الحكم فى القارة السوداء. وكان د.عبدالملك عميداً لكلية الإعلام بجامعة القاهرة وله أيادٍ بيضاء علينا جميعاً نحن تلامذته ومريديه وعارفى قدره. وأذكر لأستاذى عبارة شهيرة كان يستخدمها ويكررها مثله مثل الأستاذ الجليل الدكتور عز الدين فودة تقول: «السياسة يا أولاد هى علم الرئاسة»، ثم كان د.عبدالملك يضيف: «كان ذلك منذ عهد اليونان قبل الميلاد وما زال وسيظل الأمر كذلك». حينما تتأمل العبارة: «السياسة هى علم الرئاسة»، فإن المعنى الذى يصل إليك هو كيف يسوس الحاكم المواطنين. والرئاسة، وهنا نتحدث عن رئاسة دولة أو حكومة أو مؤسسة أو هيئة أو شركة أو نادٍ رياضى، تحتاج إلى رؤية وقدرة تنفيذية وإرادة. وكثيراً ما فشلت تجارب إدارية لرؤساء فى السياسة أو البيزنس نتيجة افتقارهم لأى من الشروط الثلاثة أو جميعها. وإذا كانت السياسة هى علم الرئاسة، فإن الدبلوماسية هى «فن تحقيق الممكن بما هو متاح». من هنا يصبح على الرئيس تعظيم القدرات الكامنة لشعبه أو حكومته من أجل تجاوز الممكن والمتاح والمتوافر على أرض الواقع. ورغم أن التاريخ سوف يذكر الزعيم البريطانى ونستون تشرشل بأنه أبوالواقعية السياسية فإنه استطاع أن يقود أمته إبان الحرب العالمية الثانية «بقوة الحلم الاستثنائى» فى دحر النازية والحفاظ على سلامة الوطن واستقلاله. وقف تشرشل أمام شعبه واثقاً من النصر رغم أنه قال لهم: «لا أعدكم سوى بالدم والدموع». وهكذا تجاوز تشرشل المتاح والممكن! أعظم ما قام به تشرشل مع شعبه هو أنه أعطى الإنجليز حلم التحرر من النازية مع صدق الوعد بأن الطريق لن يكون مفروشاً سوى بالدم والدموع. النصيحة العظيمة مقابل تحقيق الحلم العظيم! هذا ما فعله تشرشل، وهذا ما نحتاجه نحن الآن فى زعامة مصرية وطنية تبنى نظاماً قائماً على ضرورة دفع فاتورة الحلم العظيم. هكذا تتحقق مقولة: «السياسة علم الرئاسة».