ربما كان لمسيرته الوظيفية أثر على قراراته، الرجل الذي بدأ حياته الدبلوماسية فى 1968 لم يحظ يوما بالمكانة التى يظن أنه يستحقها، 35 عاما قضاها حتى استقالته فى 2003 لم يشغل طوالها منصب سفير سوى مرة واحدة فى بورندي، وظل ابن هربيط بالشرقية قابعا فى قائمة ما يطلق عليه الدبلوماسيون ب"البعثات المُهمَّشة" ما بين البحرين ونيجيريا واليونان وجدة، وهو ما زرع بداخله لذة "الانسحاب" التى يجيدها دون منازع. بدأ الدبلوماسي عبد الله الأشعل نضاله مبكرا، أعلن تمرده على سياسة مصر الخارجية وقت أن كان سفيرا برتبة مساعد وزير، شارك فى العديد من الحركات الاحتجاجية، ورفع دعوى قضائية ضد ترشح الوزراء للبرلمان، الأشعل "حامل سيفه" في وجه طواحين الهواء أعلن نيته عن مبارزة مبارك، وقرر السفير السابق، قبل الثورة بعام، أن يترشح للرئاسة، وكانت الأولي. ويدخل السباق مرة أخرى، بشق الأنفس جمع التوقيعات اللازمة، وساعة أن أعلنت "الجماعة" عن الدفع بالشاطر مرشحا رئاسيا، تراجع الدبلوماسي المحترم وذهب إلى مكتب الإرشاد متنازلا ومبايعا، ويتجلى "المفكر الإسلامي" بداخله ويؤكد أن "الهدف الأهم هو توحيد القوى الوطنية على مرشح إسلامي واحد"، وكانت الثانية. ساعات وتأتيه الدعوة من حزب الأصالة السلفي ليكون ممثلا له، فلا يرد الأشعل دعوة "مرشح تحت الطلب"، يسحب تأييده بخبرة "أستاذ" فى العلوم السياسية، ويتحول من مبايع للإخوان إلى ممثل للسلفيين، والكرسي يحب الخفية، وكانت الثالثة. يشتد السباق، وتتهافت الصحف ووسائل الإعلام المحلية والعالمية على المرشحين "الثقال"، لا أحد يلتفت إلى الأشعل، بينما الرجل يحلم بالأضواء، والبقاء فى الظل يقتله ويجافي طباعه، ما يجعله "فوق صفيح ساخن"، فيقرر أن يلقى حجرا آخر، تحمله قدماه إلى منافس آخر ويعلن تأييده له على الملأ، ويؤكد رئيس حزب الأصالة أن مرشحه الأشعل انسحب لصالح مرسي، ما أشبه اليوم بالبارحة، يوم سئل الراحل أحمد الصباحي في أثناء الانتخابات الرئاسية فى 2005، "ماذا ستفعل لو تُوجت رئيساً لمصر؟"، أجاب "سوف أتنازل لمبارك"، مرشحون ولكن ظرفاء، وكانت الرابعة. "من المألوف أن نجد أناسا يتحولون من حزب إلى حزب، ومن رأي إلى رأي. والسبب هو التلون من أجل البقاء، أي أن البقاء أهم من الثبات على الرأي والنظرية، ونلوم الناس دون أن نعرف ما الذي دعاهم إلى ذلك: مرض، ضعف، طمع، أو هي الحكمة: دارهم ما دمت في دارهم. أو: انحن حتى تمر العاصفة" أنيس منصور متحدثا عن التلون وعدم الثبات على موقف.