في خطوة مفاجئة من نوعها، أعلنت الخارجية الأمريكية، مساء أمس، قرار إدارة الرئيس دونالد ترامب سحب أكثر من 200 مليون دولار من برامج مساعدات الإغاثة للفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية. وجاء في مذكرة مقتضبة صدرت عن الوزارة، أن هذا القرار اتخذ بعد قيام الإدارة، بتوجيه من الرئيس ترامب، بمراجعة المساعدات المقدمة للسلطة الفلسطينية وسكان الضفة الغربية وقطاع غزة، لضمان أن يتم إنفاق هذه الأموال بما يتماشى مع المصالح القومية للولايات المتحدة وتفيد دافع الضرائب الأمريكي، على أن يحول المبلغ الذي تم سحبه إلى تمويل "مشاريع أخرى ذات الأولوية". وأشارت الخارجية إلى أن القرار المذكور يأخذ بعين الاعتبار التحديات التي يواجهها المجتمع الدولي بتقديمه مساعدات في غزة، حيث تعرّض سيطرة حركة حماس سكان غزة للخطر وتقود إلى تدهور الوضع الإنساني والاقتصادي الرديء. وقبل نحو أسبوعين، كانت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، قالت إن المبلغ المقتطع يمثل تقريبا كل المساعدات الإنسانية التي تقدمها الولاياتالمتحدة مباشرة للفلسطينيين، وتساهم واشنطن أيضا في ميزانية وكالة الأممالمتحدة التي تساعد اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، غير أن إدارة ترامب خفضت مساهمتها، في وقت سابق من العام. ومن ناحيته، أدان أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير صائب عريقات، في بيان صحفي، إعلان وزارة الخارجية الأمريكية، معتبرا هذا القرار بمثابة الإعلان الفاضح، والاعتراف بالمغزى الحقيقي لسياسة المساعدات الأمريكية المتمثل بالتدخل في الشئون الداخلية للشعوب الأخرى، والتأثير على خياراتها الوطنية. وقال عريقات، إن المساعدات ليست منة على شعبنا، وإنما واجب مستحق على المجتمع الدولي الذي يتحمل مسئولية استمرار الاحتلال الإسرائيلي لما يشكله من سد مانع أمام إمكانية التنمية والتطور للاقتصاد والمجتمع الفلسطيني، مضيفا أن الولاياتالمتحدة بوقفها هذه المساعدات إنما تصر على تخليها عن هذا الالتزام الدولي، كما تخلت سابقا عن التزامها بما تقرّه الشرعية الدولية وخاصة فيما يتعلق بالقدس واللاجئين، وسائر قضايا الحل النهائي. وشاركه في الرأي نفسه، الدكتور جهاد الحرازين، أستاذ القانون العام والنظم السياسية والقيادي في حركة "فتح" الفلسطينية، مؤكدا أن الإدارة الأمريكية المتبعة منذ تولي ترامب رئاسة الولاياتالمتحدة، تجاه القضية الفلسطينية هي سياسة خاطئة تدل على حجم الانحياز الأمريكي لصالح إسرائيل، والذي وصفه ب"الأعمى"، مشيرا إلى أن ترامب بدأه بقضية القدس، والإعلان عن نقل السفارة الأمريكية إليها واعترافه بها كعاصمة لدولة الاحتلال، ثم تخفيض الدعم ل"الاونروا"، مضيفا أن ذلك يعتبر محاولة لتشتيت قضية اللاجئين، حيث اعترفت به الإدارة الأمريكية، بأنها أسقطت قضية القدس عن الطاولة واللاجئين. وأكد الحرازين، ل"الوطن"، أن تعليق المساعدات التي كانت تقدم بقيمة 200 مليون دولار لصالح مشاريع اقتصادية بالضفة وغزة، يعتبر أسلوب ابتزاز جديد من قبل الإدارة الأمريكية، وهو ما يدل على أن الولاياتالمتحدة ماضية في نهجها وسلوكها الابتزازي، والذي يعطي صورة حقيقية أن إدارة الرئيس الأمريكي تحاول استغلال المال في التأثير على القرارات السياسية والتدخل في الشئون الداخلية للدول، على حد قوله. هذا الأسلوب مرفوض جملة وتفضيلا، بحسب القيادي في حركة "فتح"، مشددا على أن ذلك لن ينال من الموقف والقيادة الفلسطينية أو يثنيها عن موقفها الرافض للخطة الأمريكية التي تحاول النيل من القدس وتصفيتها، بالإضافة الى قضية أخرى وهي مباركة الولاياتالمتحدة للاستيطان الإسرائيلي، متسائلا عن مصير تلك الأموال المقتطعة من المساعدات والرغبة في تحويل المبالغ لدعم الاستيطان الاسرائيلي وخاصة البؤر المقامة على الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربيةوالقدس. وطالب الحرازين المجتمع الدولي والأمة العربية والإسلامية بالوقوف بجانب الحق الفلسطيني ومواجهة السلوك الأمريكي الذي يمثل تدخلا سافرا في شئون الدول ويعمل على تأجيج المنطقة ودفعها للانفجار، على حد قوله. وأيدّه أيضا الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس والقيادي بحركة "فتح"، أن القرار مفاجئ، حيث يرى أن الإدارة الأمريكية تسعى إلى فصل القضية الفلسطينية عن كل مقومات نجاحها، وأن الأمر يعتبر محاولة للضغط على القيادة للقبول بما تطرحه الولاياتالمتحدة تحت ما يسمى باسم "صفقة القرن"، مؤكدا أن الشعب الفلسطيني لن يخضع لتلك المحاولات. ويرى الرقب، ل"الوطن"، أنه على القيادة الفلسطينية الرد بحسم على ذلك القرار، من خلال إغلاق غرفة العمليات المشتركة التي تديرها فلسطين وأمريكا وإسرائيل بشكل كامل، مشيرا إلى أنه على الدول العربية الرد أيضا بتوفير نفس المبلغ من أجل المساعدات لفلسطين حاليا، حيث إنه يعتبر مبلغا بسيطا يسهل ضخه من الدول القادرة على ذلك.