يتواصل الدعم الاقتصادى والسياسى الخليجى لمصر، وتتصاعد معه الانتقادات «الإخوانية»، وترافقها بالطبع حملات التشويه، ولذلك فإن السؤال: «لماذا يساعدوننا؟» يصبح جديراً بالطرح. فى 21 أكتوبر من العام 2012، اندلعت تظاهرات فى الكويت وصفتها وسائل إعلام عديدة بأنها «أضخم احتجاجات فى تاريخ البلاد»، وهى الاحتجاجات التى شارك فيها عشرات الآلاف اعتراضاً على «قانون الانتخاب»، الذى أصدرته الحكومة آنذاك. فى الليلة ذاتها التى اندلعت فيها التظاهرات، أطلق القيادى «الإخوانى» المصرى خالد أبوشادى تغريدة على حسابه على موقع «تويتر»، قال فيها: «هل تقود الكويت الربيع العربى فى دول الخليج؟». ثمة ثلاثة أشياء يجب توضيحها فى ما يتعلق بتلك التغريدة، أولها أن التساؤل الذى يطرحه هذا القيادى «الإخوانى» يعكس تمنياً وليس استفهاماً، وثانيها أن هذا الرجل هو زوج إحدى بنات المهندس خيرت الشاطر نائب مرشد تنظيم «الإخوان» والرجل الأقوى فيه، وثالثها أن هذا الصيدلى والداعية الشاب تلقى تعليمه قبل الجامعى فى الكويت. لقد صوّت 310 آلاف مغترب مصرى فى الجولة الحاسمة للانتخابات الرئاسية الأخيرة، التى فاز فيها المرشح «الإخوانى» محمد مرسى، وكان نصف هؤلاء المغتربين المصوتين تقريباً فى السعودية والكويت، وقد أعطوا هذا المرشح «الإخوانى» بسخاء، حتى إنه فاز فى السعودية بنحو ثمانية أضعاف الأصوات التى فاز بها منافسه أحمد شفيق. عندما ضاق الحال ب«إخوان» مصر فى عهد الرئيس الراحل عبدالناصر، كانت دول الخليج تفتح أذرعها لهم، وقد ذهبوا إلى هناك بعائلاتهم، واستقروا، واستثمروا، وأنشأوا جمعيات أهلية، أو ساعدوا فى إنشائها. تمركز «إخوان» مصر تمركزاً جيداً فى الواقع السياسى والاجتماعى والاقتصادى لدول الخليج العربية، وبوصفهم «تكنوقراطاً» فقد انخرطوا فى مفاصل الأجهزة الإدارية لتلك الدول، ولأنهم يقدمون أنفسهم ك«دعاة إسلاميين» فقد تمتعوا بسمعة وتأثير ونفاذ فى مواقعهم، ولكونهم «مسيّسين» فقد أسهموا فى تطوير أنشطة سياسية فى أكثر من دولة، ولأنهم «براجماتيون» فقد حرصوا على إبقاء خطوط الاتصال والتعاون مفتوحة مع الأنظمة الحاكمة فى تلك الدول، كلما كان الطريق إلى ذلك ميسراً. تحظر دول الخليج العربية الأحزاب والحركات السياسية الصريحة إلا فى ما ندر، وتتمتع الأسر الحاكمة فيها بشرعية لا تجد من يدحضها فى الغالب، وتتمحور كافة المطالبات المطروحة على السلطة غالباً حول تحسين الأحوال أو توسيع رقعة المشاركة فى صنع السياسة، وتغطى عوائد النفط المرتفعة كثيراً من جوانب القصور والخلل. لذلك فإن منابع السياسة تنضب، ومواردها تشح، ولا تتوافر فرص وجيهة للتمركز سياسياً إلا من خلال جماعات تتدثر بالدين، وتخاطب العواطف الدينية المتأججة فى نفوس مواطنى تلك الدول، أو تستميل شعورهم بالعزة المفتقدة منذ اندحرت الإمبراطورية الإسلامية قبل قرون طويلة، أو تعالج شعورهم بالذنب، لأنهم ينعمون بعوائد النفط دون أن يشاركوا غيرهم من المسلمين ما يكابدونه من شظف العيش وآلامه، أو ما يجابهونه من تحديات الاحتلال، والعدوان، والاعتداء على الكرامة. على أى حال، فإنه يمكن القول ببساطة إن محمد مرسى وصل إلى سدة الرئاسة فى مصر، فى مطلع يوليو من العام 2012، فى الوقت الذى كان فيه تنظيم «الإخوان» هو أقوى التنظيمات المعارضة فى دول الخليج العربية، وأكثرها تماسكاً، وقدرة على العمل المنظم. يأخذ تنظيم «الإخوان» أشكالاً متباينة فى دول الخليج العربية الست، وتراوح قوته بين الخفوت والضعف كما يظهر فى سلطنة عمان، وبين القوة والتماسك كما يظهر فى الكويت، وتختلف علاقته بالسلطة الحاكمة إلى حد أن يقوم بحل نفسه والتماهى فيها كما حدث فى قطر، أو أن يعمل ضمن رؤيتها ومشروعها السياسى كما يجرى فى البحرين، أو أن يقوم بالتضاغط الهادئ معها كما يحدث فى السعودية، أو أن يزعجها بالتحدى كما يحصل فى الإمارات. كثيرون لم يستوعبوا سر الهجوم الضارى للفريق ضاحى خلفان نائب رئيس الشرطة فى دبى على تنظيم «الإخوان» منذ اعتلائه السلطة فى مصر، لكن الذين يعرفون أن الأمن المصرى أطلع نظيره الإماراتى على ما قيل إنه براهين على تمويل جمعية «الإصلاح» (ينظر إليها بوصفها الفرع الإماراتى لتنظيم «الإخوان»)، عمليات قام بها تنظيم «الجهاد» الإرهابى فى مصر مطلع تسعينات القرن الفائت، لم يندهشوا كثيراً. كثيرون يتساءلون عن الدعم الذى تقدمه دول الخليج العربية لمصر، والبعض يعتبره غير قابل للاستمرار، والبعض الآخر يرى أنه يمكن أن يؤثر فى استقلالية القرار المصرى، ويربطه آخرون بالإرادة الأمريكية، محاولين الإيحاء بأن واشنطن تدعم ما جرى فى «30 يونيو و3 يوليو» الفائتين. والواقع أن الدعم الخليجى لمصر يجب أن يكون محل بحث ودراسة عميقين؛ خاصة أنه يكتسب أهمية كبيرة للغاية فى مساعدة مصر على الخروج من الفترة الحرجة الراهنة، لكن اعتباره مرتبطاً برغبة أو إرادة أمريكية مسألة عبثية. يرتبط معظم دول الخليج العربية بوشائج وصلات وتاريخ وعلاقات قوية وراسخة مع مصر، ويعرف معظمها قدر مصر ومكانتها وأهميتها للاستقرار فى المنطقة ودورها التاريخى فى الدفاع عن قضايا أمتها. هذه الأسباب يمكن بالطبع أن تبرر الدعم الخليجى الذى تتلقاه مصر راهناً، لكن هناك سبباً آخر مهماً يتعلق باستحقاق تاريخى على بعض تلك الدول، التى فتحت المجال لاستيعاب تنظيم «الإخوان» أو بعض عناصره فى فترتى الخمسينات والستينات الفائتة لكى تناهض نظام الرئيس عبدالناصر. أما السبب الأهم، فيتعلق بأن تلك الدول تدرك تماماً أن نجاح مشروع الإرهاب والتأسلم المقيت فى مصر يعنى انتقاله إليها مباشرة.. لذلك، فإنها تساعدنا، وتساعد نفسها فى آن.