سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
«عم محمود» يحدثكم من أيام الحلاقة ب«الموس الخشب»: «أقولّك حاجة.. أنا ممكن أحلق لك وأنا مغمض عينىّ» ثلاثة لا يفارقونه: حماره الذى ينقله.. و«شنطته» القماش التى تحتوى على عدّة الحلاقة.. والأغانى الصعيدية التى يحفظها عن ظهر قلب وتسليه فى وحدته
فنان مدينة كوم أمبو.. لقب يفتخر به أمام زبائنه، فبعد أربعين عاماً قضاها فى مهنة «حلاق الشارع» صار اسمه أشهر من النار على العلم، بل ويُطلب بالاسم، يصفه بعض زبائنه بأن «إيده تتلف فى حرير»، والبعض الآخر يتجاوز ذلك بكثير حين يقول إنه متمكن لدرجة أنه يمكنه ممارسة عمله وهو مغمض العينين. يبتسم بسعادة وهو يستمع لهذا الكلام، ولكن يخفى قلقاً شديداً فى داخله لا يظهره أمام أحد، فهو وإن كان ماهراً فى عمله بالفعل، لكنه يمثل آخر جيل فى مهنة «حلاقى الشارع» فى الصعيد. لم تكن حياة محمود شعبان صاحب الخمسين عاماً عادية بعد أن قضى معظمها بصحبة ثلاثة: حماره الذى ينقله، وحقيبته القماش التى تحتوى على عدّة الحلاقة، والأغانى الشعبية الصعيدية التى يحفظها عن ظهر قلب وتسليه فى وحدته. يخرج «عم محمود» منطلقاً فى شوارع كوم أمبو شمال محافظة أسوان باحثاً عن زبائن ما زالت تقدر قيمة «حلاق الشارع»، بعد أن غلبت مظاهر الحضر حتى أقصى صعيد مصر. «والله ما باضحك، بس انا ممكن أحلق وانا مغمض عيونى»، كلمات استعارها «عم محمود» من أحد زبائنه، فقد وصلت الإشادة به إلى حد اعتقاد زبائنه أنه قادر على الحلاقة وهو مغمض العينين. إتقانه لعمله يعود إلى كونه أقدم حلاق شارع فى المدينة، والدليل على ذلك أنه بدأ عمله ب«الموس الخشب» الذى لا يعرفه الكثيرون الآن، وعندما تطور الحال قليلاً استخدم ماكينة الحلاقة باليد، إلى جانب المقص الذى لا يفارقه. يكره «عم محمود» بدعة الصالونات التى ظهرت مؤخراً، مؤكداً أن عمله لم يتأثر بها فهو معروف عند زبائنه، ويستخدم أدوات معروفة «الصابون وموس الحلاقة العادى والمقص»، قائلاً: «ما اعرفش كريمات، وجِل إيه اللى بيتكلموا عليه؟! الحلاق بالظبط زى الفنان لازم يعتمد على إيده مش على الكمبيوتر والآلات». كل ما يهم «عم محمود» -الذى أنجب 5 أبناء يفخر بأنهم كبروا من رزق الحلاقة- هو محاولة تعليم ابنه سر الصنعة حتى لا تنقرض: «الشغلانة دى فيها بركة ورزقها حلو وبتصرف على نفسها بنفسها.. وفى النهاية أنا فنان مش مجرد حلاق».