"النجاح في الحياة لا يُبنى على القدرة البدنية أو القوة أو الواسطة، وإنما معياره الوحيد هو الكفاءة"، بهذه الكلمات لخص كريم النجار، أحد رموز الفن التشكيلي في مصر، تجربته التي تعكس قدرته على اجتذاب الأمل من رحم الإحباط، وتحويل إعاقته إلى أداة خلاقة تدفع للنجاح. حكاية كريم مع الرسم بدأت منذ طفولته، حيث كان يرى أحد أساتذته بقصر الثقافة الذي كان يتردد عليه، يجسد كل معالم الدنيا بأصابعه ويصف أروع المناظر الطبيعية من خلال لوحاته، "لما كنت باتفرج عليه وهو بيرسم كان عندي حب فضول إني أعرف هو بيعمل كده إزاي، وشوية بشوية بدأت أقلده". شاب لم يجاوز العشرين من عمره، يقبل على الدنيا راسما صورة مستقبله الباهر، فيتعرض لمرضٍ نادر يسبب له إعاقة في أطرافه الأربعة، وتقل حركته شيئا فشيء حتى تقرب على الانعدام. الإحباط يلاحقه من كل جانب، الدنيا تضيق عليه خناقها، ثقة الجيمع تنعدم في قدرته على القيام بأي عمل، يخسر كل أمواله في مشروع صغير بدأ به مشوار حياته العملية، يقرر أن يقيم مع أحد أقاربه، رغبة في عونه، فلم يتحمله ويتركه وحيدا يواجه إعاقته، "في الوقت ده كان قدامي حاجة من اتنين، يا إما أعترف بأن الحياة انتهت ومافيش أمل يا إما أعافر وأكمل طريقي". ثلاث سنوات يقضيها كريم على هذه الحال، قبل أن يقرر استغلال عشقه القديم للرسم، ويتخذه وسيلة للتعبير عن معاناته من خلال فنه، إلى أن هذا القرار لم يخل من مواجهة الصعاب، حيث كان أول ما واجهه عدم قدرة على مد يده لمسافات بعيدة، "أنا قدرت إني أعمل تقنية جديدة مكنتني من الرسم وهي إني أحط اللوحة قدامي بمستوى أفقي، وأبدأ أرسم اللوحة على أجزاء حسب المسافة اللي إيدي تطولها، وبعدين ألف اللوحة الناحية التانية عشان أكملها وأقدر إني ألونها بالشكل اللي عايزه". يروي كريم أن بداية شهرته الحقيقية كانت من خلال مسابقة "معا لتحدي الإعاقة"، التي دخلها عبر إحدى صفحات موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، قدم من خلالها عددا من أعماله الفنية وفاز من خلالها بلقب "سفير التحدي" على مستوى الوطن العربي. لم يتوقف كريم عند الفوز باللقب، بل صمم على عمل معارض مستقلة له يعرض من خلالها أعماله التي يقوم برسمها، فقدم العديد من اللوحات الفنية الناجحة أبرزها: "ثورة معاق أراد الحياة" عام 2011، و"صرخة معاق على جدران مصر" التي عبر فيها عن حالة الفوضى التي لحقت بالمجتمع المصري بعد الثورة، وعدم قدرة المسؤولين على إدارة الأمور بالشكل المناسب. اهتمام كريم بمشاكل مجتمعه لم يثنه عن التعبير عن مشاكل ذوي الاحتياجات الخاصة، حيث قام بعمل العديد من اللوحات الفنية تهدف لعرض مشكلاتهم وتوصيل رسائل لهم، لوحته "خلف النافذة" التي حث فيها كل معاق على الخروج للمجتمع وعدم الاستسلام للعزلة، "اللوحات اللي بقدمها بتكون أشبه بالمقال الأدبي، ولا بد إني أوصل من خلالها رسالة واضحة ومفهومة، زي لوحة "أحلام مشروعة" الموجهة للمعاقين واللي بتخليهم ما يستسلموش لأي حد يحاول يسرق منهم حلمهم أو يحطمهم". "الخطوة الجاية إني أكون مذيع"، علق كريم على قراره بالقيام بإعداد وعرض برنامج تليفزيوني يقوم من خلاله بتقديم لوحاته الفنية وشرحها للجمهور، ويقوم ببثه من خلال موقع "يوتيوب"، "أنا لقيت إن ده وسيلة أسرع أوصل من خلالها لوحاتي للناس بدل ما استنا أعمل معرض فني كل فترة، ولإني حابب إن تجربتي توصل لكل الناس عشان الكل يعرف إن مفيش حاجة اسمها مستحيل".