سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
«الوطن» تخترق الحصار وترصد حكايات الموت بالرصاص الميرى فى «أبو سليم» أهالى القرية يطالبون بنقل معسكر الأمن المركزى ويتوقعون حدوث مجزرة أخرى قريباً.. والشباب: هناك أيادٍ خفية.. وما حدث مؤامرة
ما بين رائحة الدماء وفوارغ الرصاص الميرى، وقنابل الغاز ودبابات الجيش التى جاءت بعد يومين من القتل والدمار، توافد أبناء قرية أبوسليم المنكوبة فى بنى سويف لمواساة أهالى الضحايا الذين قتلوا فى الاشتباكات الأخيرة بين الأهالى ومعسكر الأمن المركزى. المستشفيات الخاصة رفضت استقبال المصابين، و«العامة» تركتهم عرضة لموت بدون أطباء أوعلاج، وكعادتهم غاب المسئولون عن القرية، وفرضت 5 مدرعات وسيارتان من الشرطة العسكرية الحصار على مدخلها لمنع وسائل الإعلام من دخولها. استطاعت «الوطن» اختراق الحصار المفروض على القرية، والدخول إليها من مدخل خلفى، والتقت العديد من أسر الضحايا الذين لم تجف دموعهم بعد. البداية من غرفة صغيرة بمنزل المتوفى جابر سعيد، تضج بالصراخ والعويل والبكاء المتقطع، تجلس الحاجة فاطمة والدة جابر مع عشرات النسوة، تتحدث بكلمات ممزوجة بالبكاء: «ابنى يتيم، وأخوه مسافر بره، وهو راجل البيت الوحيد، بيضربوه بالنار ليه، ربنا ينتقم منهم قادر على كل ظالم.. تنظر إلى صورة ابنها وتقول: مسكين ياضنايا كان طول عمره شقيان، ومن شغله للبيت، بس كان راجل، الله يرحمه، لينا رب اسمه الكريم.. وتتساءل شقيقته فى حسرة: «هو إحنا دمنا رخيص أوى كده، حرام دمه يروح هدر، مفيش ولا مسئول جاء إلى القرية لمواساة أهلها ومحاسبة الجناة» خارج المنزل البسيط الذى يشبه البدروم، تتراص عشرات الكراسى على شكل مربع، حيث ينخفض البيت بأكثر من مترين عن الطريق، تجمع بعض شباب القرية لتقديم واجب العزاء لأسرة جابر الذى لم يتجاوز ال 16 من العمر، أحد ضحايا أحداث معسكر الأمن المركزى. يطلق شباب القرية عبارات تؤكد رفضهم للأحداث التى تعرضت لها قريتهم، «حرام يبقى ولادنا مقتولين، ويقولوا علينا بلطجية»، البداية كلمات جاءت على لسان «عماد جابر» يعمل حداد مسلح بشركة مقاولات: «وقت إطلاق النار العشوائى من العساكر، كان جابر يركب موتوسيكل مع باسم وسعيد أبناء عمومته، فى طريقهم إلى البيت بعد انتهاء العمل وأطلقوا النار عليهم بغتة دون أن يشعروا فوقع جابر قتيلاً». يلتقط طرف الحديث باسم بقوله: أنا كنت معاه على الموتوسيكل وأثناء مرورنا من أمام المعسكر وجدنا أكثر من 40 عسكرى يرتدون الزى المدنى يطلقون النار بطريقة عشوائية، اعترضوا طريقنا بإطلاق النار فأصيب جابر بطلقتين، الأولى فى القدم والثانية فى الجنب الأيمن، واستقرت طلقة أخرى فى رجل سعيد الذى كان يقود الموتوسيكل، ولم يكتف العساكر بذلك، بل كسروا الموتوسيكل وسحبوه إلى المعسكر»، ويضيف باسم: حاولنا إنقاذ سعيد، ونقلناه إلى المستشفى الذى لم نجد به أطباء، مما دفع العشرات من أبناء القرية إلى الاعتصام أمامه، وقطع الطريق من أجل إنقاذ المصابين، أكثر من ساعة ولم يأت أحد من الأطباء، نقلنا جابر إلى مستشفى الزهراء التخصصى الذى رفض استقباله، وقال الأطباء: لا نستطيع استقبال مصابين بالرصاص، ونفس الرفض تكرر فى المستشفى الجامعى حتى مات منا جابر. «إحنا اللى حمينا المعسكر أثناء الثورة بعد ما الجنود هربت، وكان ممكن نأخذ السلاح لو كنا عايزين» كلمات حاول بها محمد أحمد أحد أبناء القرية كشف التناقض فى تصرف عساكر الأمن المركزى، ويكمل محمد: «هل جزاء الإحسان الضرب بالنار، نحن استغثنا بالجيش، ولم يأتِ لنا أحد إلا بعد انتهاء الأحداث، المطلب الأساسى لأهالى البلد الآن نقل المعسكر خارج البلد، لأنه من غير المعقول أن نترك شغلنا فى خارج القرية ونجلس لنحمى بيوتنا»، ووجه محمد رسالة إلى وزير الداخلية: نريد معرفة السبب الذى يدفع المئات من أفراد الأمن المركزى لاقتحام القرية بالسلاح واستخدام العربات الكاور كمتاريس لإطلاق النار من خلفها والاحتماء من طوب الأهالى». هدوء لا يقطعه شىء سوى طنين الذباب المتطاير فى أروقة الغرفة البسيطة، التى يرقد بها «أحمد حامد» الشاب الثلاثينى، الذى شاء القدر أن يصاب بطلقة نارية ما زالت ترقد فى أمعائه، أثناء عودته من عمله بشركة المقاولات بصحبة اثنين من زملائه قتلا. «زى ما أنت شايف كده»كلمات قليلة كسرت بها زوجة حامد حالة الصمت التى تسيطر على غرفة المستشفى التى يرقد فيه زوجها للتعبير عن حزنها. يرقد أحمد على سريره المتواضع فى غيبوبة لم يتحرر من آثارها، يرتدى جلباباً أبيض ما زالت آثار الدماء عليه حتى الآن رغم مرور 4 أيام على إصابته، شوهت وجهه بعض الجروح الغائرة و3 خراطيم طبية بيضاء اللون متلاصقة بأنفه ويده اليسرى تقوم بدور الوسيط الذى ينقل الدواء إلى جسده المصاب. وتروى زوجته ذات الثمانية والعشرين عاما: «زوجى حداد، عايش فى حاله، يوم الأربعاء الماضى كان راجع من الشغل وفى مدخل البلد فوجئ بالاشتباكات، ووجد شقيقه مرمياً على الأرض، ومصاباً برصاصتين، فتدخل هو و2 من زملائه محاولاً منع الرصاص عن شقيقه، فأصيب هو الآخر، عندما وصلنا لم يكن هناك طبيب واحد فى المستشفى، وبعد 3 ساعات جاء الطبيب وأجرى عملية استكشاف على البطن وحدد مكان الطلقة، وأجرى له الإسعافات الأولية، وأخبرنا أنه سيجرى له عملية أخرى لاستخراج الطلقة بعد أن يخرج من غيبوبته، وزوجى هو الوحيد فى المصابين الذى لم تأخذ النيابة أقواله حتى الآن». «أنا كنت جاى من جامعة حلوان بجيب النتيجة وأنا فى مدخل البلد سمعت ضرب النار، لم أقف ولم أحاول حتى أن أعرف ما يحدث»، هكذا تحدث عمرو محمد ربيع ذو السبعة عشر عاما، الذى يرقد داخل مستشفى بنى سويف العام. عمرو أول المصابين فى أحداث الأربعاء الأسود، كما تقول والدته: «رائد شرطة يضرب ابنى بالنار ليه، سمعت صوت انفجار كبير، خرجت إلى الشارع لمعرفة ما يحدث، وكان أهالى البلد بيجروا، باسأل فيه إيه ياواد يا أحمد، رد علىّ: عساكر المعسكر بيضربوا فى البلد ياخالة، مفيش 5 دقايق ولقيت من ينادينى إلحقى يا أم عمرو، ابنك انضرب بالنار عند مدخل القرية»، تضحك بحسرة وتكمل كلامها: «رفضت تصوير ابنى وهو مصاب، لأن وسائل الإعلام قالت إن أهالى البلد بلطجية، كنت فين إمبارح كنت تعالى صوّر، وأنا وابنى مرميين فى المستشفى، ولا طبيب واحد فى المستشفى، حتى الممرض اللى استقبلنا لم نجده بعد ذلك، انتظرنا 3 ساعات لم نجد فيها أى دكتور أو ممرضة، وعندما بدأ الدكتور الذى وصل فى الرابعة فجراً فى استخراج الرصاص أخرج 3 برطمانات صديد من عمرو بسبب تأخر استخراج الطلقة، وعندما أراد الدكتور تخييط مكان العملية لم يجد خيطاً فى المستشفى كله، واشترينا خيط من الخارج»، وتتجه إلى ابنها قائلة «مش كده ياعمرو مش كده يابابا»وحسبنا الله ونعم الوكيل فى اللى كان السبب. بينما يتساءل ربيع خيرى (عم عمرو): كيف يخرج أكثر من 800 فرد من قوات الأمن ما بين ضباط وعساكر فى زى مدنى مدججين بالسلاح فى دفعات قاصدين أهالى البلد بشكل عشوائى بدون سبب، وأضاف: «إذا كانت الشرطة التى من المفترض أن تنفذ القانون تتبع أساليب البلطجية، وتحمل السلاح لتضرب به أهالى البلد، حتى لو افترضنا أن حدث منهم أى خطأ من المفترض أن تطبق عليهم القانون، ولا يتم قتلهم بالرصاص، العاطل فى الباطل»، وتساءل: هل يعجز الأمن فى القبض عليهم ومحاكمتهم على جريمتهم، دى مؤامرة. الكلمة الأخيرة «دى مؤامرة» دفعت والدته إلى التحدث من جديد، متسائلة: هل من المعقول أن يخرج العساكر، ومعهم السلاح وطلقات الرصاص وقنابل الغاز بهذه الكميات التى من المفترض أن تكون فى المخازن بدون أى تعليمات صادرة لهم من قيادتهم، تمسح دموعها قائلة «لوكان كلامى غلط قول لى الصح». محمد أمين رئيس وحدة تنفيذ الأحكام فى بنى سويف وأحد أقارب عمرو، يحكى الأسباب التى كانت السبب من وجهة نظره فى المشكلة، : «يوجد 3 شباب ليسوا من السكان الأصليين للبلد يقومون ببيع المأكولات والمشروبات الغازية بجوار سور المعسكر للعساكر، يجلبون المخدرات وتحديداً الحشيش والبانجو، والتى يشتريها العساكر بمقابل مادى، وقيادات المعسكر يعرفون ذلك جيداً، والخلاف حدث بين العساكر وهؤلاء الشباب ولم يكن لشباب القرية أى علاقة من قريب أو بعيد بالمعسكر أصلاً». ترى سهام خالة عمرو المشكلة الآن أن الاحتكاك موجود فى البلد ومن المتوقع أن يحدث فى أى وقت مجزرة أخرى، خاصة أن العساكر يمكن أن يترصدوا لشباب القرية بالسلاح مرة أخرى، مطالبة بنقل معسكر قوات الأمن من القرية، مضيفة: المعسكر يوجد بالبلد منذ أكثر من 25 عاماً ولم يحدث أى مشكلة مع أى عسكرى من داخل المعسكر قبل ذلك، مؤكدة أنها لا تستبعد المؤامرة، التى يتورط فى تنفيذها المستفيدون من توتر الأحداث لتحقيق مصالحهم الشخصية.