"العربي" في رسالة للمواطنين: "متزعلوش من زيادة الأسعار.. إحنا بنزيد كل سنة 3 ملايين مواطن" سنوات خبرته الطويلة، وسمعته الطيبة، أهلاه لكي يُلقب ب"شهبندر التجار"، فللحاج محمود العربي، رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية الأسبق، حظوة كبيرة في نفوس التجار الذين يرونه شيخًا من شيوخ المهنة، وعقب أيام من تحريك أسعار الوقود وما تلاها من زيادة في نسب التضخم، تُجري "الوطن" حوارًا مع "الشهبندر"، بغرض الوقوف على ضالة التاجر والمستهلك، وتقديم إجابات وافية حول اتجاهات أسعار السلع، وارتفاعاتها، والسبيل إلي ضبط الأسواق، وانتشالها من الركود.
* عقب زيادة المحروقات، لماذا أعلنت شركاتكم عن عدم رفع الأسعار؟ - أعتقد أن الزيادة التي طبقتها الحكومة لأسعار الوقود مطلع الأسبوع قبل الماضي غير مؤثرة، ويجب ألا تعقبها زيادات عشوائية في الأسعار من قبل الشركات، وإلا سيتوقف السوق، ويجب أيضًا أن تكون الزيادات مدروسة وفقًا لارتفاع التكاليف الفعلية، وهذه الزيادة تستطيع الشركات تحملها دون حاجة إلي رفع الأسعار، فهي الأقل مقارنة بالارتفاعات الأولى للمحروقات، ومقارنةً أيضا بالزيادة التي أعقبت قرار تعويم الجنيه، فهي في النهاية زيادة يمكن أن نتحملها ولن تكون أكثر من 1%، وأتعهد بعدم تطبيقها، و"التاجر الشاطر اللي ما يزودش على الزبون إلا الزيادة الطبيعية بعد زيادة في تكاليفه الفعلية من بنزين وغاز وكهرباء، وحساب ما تساويه من تكلفة على السلعة، لأن الزيادة غير المبررة تفقدك العميل لاشك". وشركاتنا، منعا للاستغلال، ستطرح خلال الفترة المقبلة، قائمة بالأسعار الاسترشادية لجميع المنتجات لوقف التلاعب في الأسعار، فزيادة الأسعار بشكل مبالغ من جانب بعض التجار والشركات، عن مقدور الشعب المصري، ستؤدي حتما إلى الركود والكساد وزيادة المخزون وعدم دوران رأس المال.
*هل تخشى الخسارة كون شركاتكم لم ترفع الأسعار؟ - أنا دائما متفاءل، فالشعب المصري عنده ثقافة "اصرف ما في الجيب يأتيك ما فى الغيب"، وسوق مصر سوق واعد، "بس الشاطر اللي يدرس كويس ويعرف طلباته واحتياجاته، كل الصناع زودوا الأسعار، واللي مزودش هيزود، رضينا أم لم نرضى، فالزيادة للأسف سلاح ذو حدين، والمنتج الشاطر اللي ميزودش إلا الزيادة الطبيعية".
"التاجر الشاطر اللي ما يزودش على الزبون.. وربنا الرقيب وليس التموين" *إذن، بماذا تصف زيادة الأسعار غير المبررة، وبماذا تنصح التجار والمنتجين الساعين لرفع الأسعار؟ -أي زيادة غير مبررة "جشع"، ونصيحتي للشركات ألا ترفع أسعار منتجاتها عند حدوث موجة تضخمية في الأسواق مباشرة، وينبغي أن تتمهل وتجري دراستها، لأن عدم رفع السعر في تلك الأثناء سيعقبه زيادة في المبيعات، و"أي تاجر يأخذ زيادة مدفعهاش ربنا ما يباركلوش فيها، وربنا هو الرقيب مش وزارة التموين".
*ما رسالتك للمواطنين عقب زيادة الأسعار؟ - أقول لهم "متزعلوش"، هذه الزيادات كان ينبغي أن تأتي منذ سنوات عديدة، ونعاني في مصر من مشكلة إنتاج وإنتاجية وليس مشكلة أسعار، وعدم وعي المستهلك يساعد على استمرارية ارتفاعات الأسعار، فزيادة سعر المحروقات ضرورة نتيجة زيادة عدد السكان، نحن نزيد كل عام 3 ملايين، بحجم دولة تقريبًا، ما يزيد من أعباء الدولة " اللي هتجيب منين"، فهناك العديد من الحقائق التي يجب ألا نتجاهلها، منها أن الأسعار في مصر أقل من دول الجوار، كما أننا نستورد أكثر من 60% من استهلاكنا، ونسبة مثيلة لمدخلات الإنتاج، ما يعرضنا لتقلبات الأسعار العالمية والعملة وخفض المنافسة ورفع الأسعار، ولابد من الإصلاح الجذري لوضع مصر الاقتصادي. لابد أن يتبع ذلك خطوات أخرى، منها تطبيق خطط موازية لينعكس هذا الإصلاح على حياة المواطنين من خلال التوسع في الاستثمار وتشجيعه، من خلال مزايا منها الضرائب والأراضي، ولابد من وجود مظلة اجتماعية تستطيع عمل فرز واقعي لمستحقي الدعم النقدي بالتوازي، بالإضافة إلى ضرورة تنفيذ اصلاحات متنوعة تدعم الاقتصاد والقطاع الخاص عن طريق توفير بيئة عمل صحية وتنافسية يحكمها تكافؤ الفرص والمنافسة العادلة، فالقطاع الخاص هو العمود الفقري لأي اقتصاد حديث، كما أنه لا بديل عن ثورة تشريعية وإجرائية لتيسير مناخ أداء الأعمال ورفع الأعباء المتراكمة عن كاهل المُنتج المصري ليتمكن من المنافسة.
*هل تعتقد أن "سلاح المقاطعة" ناجح في مصر لمواجهة ارتفاع الأسعار؟ - بالعكس هو سلاح غير ذي جدوى في السوق المحلي نظرًا لثقافة المستهلك المصري الشرائية، وهناك صعوبة بالغة في تطبيق المقاطعة نتيجة للتوسع الكبير في تجارة الجملة والتجزئة وزيادة المنافسة بمختلف أنحاء الجمهورية، واعتقد أن الذي يحكم السوق هو آلية العرض والطلب.
*هل توافق على خفض الدعم عن الطاقة؟ - نعم أوافق وبشدة، وأثنىّ على الحكومة التي اتخذت هذه القرارات، حتى المؤلمة منها، واعتبرها سياسة حكيمة ستوصلنا إلى بر الأمان، فالحكومات السابقة كانت تتعامل مع الأزمات ب"المسكنات"، وهذه الزيادات كان ينبغي أن تتم منذ عدة سنوات، لكنهم خافوا من الشعب، لتتحملها بعد ذلك الحكومات الحالية.
*تحتفل مصر هذه الأيام بالذكرى الخامسة لثورة 30 يونيو.. ما هو تقييمك لتلك المرحلة؟ - أنا متفاءل بحكم الرئيس عبدالفتاح السيسي، والأعوام الخمس الماضية حسمت العديد من الأمور، إذ أن الإنجازات التي شهدتها مصر خلال تلك الفترة يمتد تأثيرها لما بعد الفترة الراهنة، بل ربما لسنوات قادمة سيجني ثمارها الشعب. من تلك القرارات الشجاعة هو قرار "تعويم الجنيه" الذي تأخر كثيراً، وكان ينبغي مصارحة الشعب بأوضاع الدعم، وضرورة خفضه، والاتجاه إلى الحد من الاستيراد الاستهلاكي وتشجيع الاستثمار الإنتاجي، مع الحفاظ على ودائع البنوك والبعد بها عن مخاطر المضاربات وإبقائها في نطاق الإقراض الآمن الرشيد، دون أن يخلوا ذلك من خطة لتحجيم الارتفاع العشوائي لسعر الدولار، وعودته إلى مكانته الطبيعية بما يوفر قدرة شرائية أفضل، وتحجيم الارتفاعات المنفلتة للأسعار التي شهدتها البلاد مؤخراً.
*حدثنا عن فترة حكم الإخوان؟ - لا أقول إلا أن الله سخر الرئيس عبدالفتاح بالسيسي لإنقاذ البلاد من هذا الحكم.
قرض صندوق النقد الدولي علاج "مر".. ولست مع إلغاء الدعم النهائي *ماذا تقول للمتهربين من سداد الضرائب؟ - لابد من سداد رجال الأعمال للضرائب المستحقة، و"القرش اللي هياخدوه من ورا الحكومة حرام".
*هل تؤيد إلغاء الدعم؟ - لست مع إلغاء الدعم النهائي عن السلع والخدمات حفاظاً على محدودي ومتوسطي الدخل، ولكنني أرى أن المواطن لن يستفيد بالدعم إلا بشكل مؤقت، بينما الإفادة الحقيقية تكون في التنمية وخلق فرص العمل، والاستغلال الأمثل للموارد، وأعتبر أن قرارات الزيادة في أسعار الكهرباء لم تكن مفاجئة، وقد أعلنها وزير الكهرباء منذ 5 سنوات، وبدأها تدريجيا، و"لكن الناس بتنسى".
*ما هي توقعاتك للاقتصاد المصري بعد تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي؟ - أي طموحات اقتصادية لن تتحقق إلا بمزيد من العمل والانتاج، خاصة في ظل حالة القلق التي انتابت معظم المستثمرين سواء في الداخل أو الخارج، لذا كان لزاما علينا أن ندرس ما يجب أن نفعله خلال المرحلة المقبلة، من أجل رفع مستويات المعيشة وتحقيق الطموحات التي تولدت بعد 30 يونيو.
*البعض يتحفظ على الاقتراض من صندوق النقد الدولي لشروطه الصعبة.. هل تتفق مع ذلك؟ - اعتبر قرض صندوق النقد الدولي ضرورة ملحة وعلاج "مر" للأزمة الاقتصادية الحالية، ومصر في حاجة إليه، فعجز الميزان التجاري بلغ ذروته، وكنا في حاجة إلى خطة إصلاحات شاملة على رأسها إعادة هيكلة منظومة دعم الطاقة بصفة عامة حتى تصل إلى مستحقيها. وأرجوا توجيه قرض صندوق النقد الدولي في مكانه الصحيح، وعدم توجيه المبالغ التي ستحصل عليها مصر خلال الفترة المقبلة إلى شراء السلع، أو الاستيراد، مع التركيز على أهمية دعم الاستثمار وكذلك المشروعات القومية الكبرى لتحقيق نقلة نوعية للاقتصاد المصري. وأنصح أيضاً بأن يتم ضخ الأموال التي تحصل عليها مصر في صورة مشروعات كبرى تدعم الاقتصاد المصري، وتجذب مزيدا من الاستثمارات الأجنبية، نتيجة تقوية البنية الأساسية والتحتية التي تحقق الاستقرار لأى مستثمر، ومن ثم توسيع القاعدة الاستثمارية للمستثمرين المتواجدين حالياً، وجذب مستثمرين جدد خلال السنوات القادمة.
*ما الحل برأيك للقضاء على التجارة العشوائية في مصر؟ - هي ظاهرة منتشرة بشكل كبير في كل المحافظات دون مواجهة حقيقية، وبالتالي فإن الأمر يتطلب إدخال اصلاحات على الاقتصاد الرسمي للدولة بإزالة كل ما يعترضه من مشكلات أو عقبات، قبل أن نبدأ في إصلاح الاقتصاد غير المنظم، وذلك لدفع أصحاب المشروعات في الاقتصاد غير المنظم على الدخول طواعية ضمن مظلة الاقتصاد الرسمي، وتوفير الحماية القانونية ومظلة التأمين الاجتماعي لهم، وتوفير فرص العمل والقضاء على البطالة حيث يشغل القطاع غير المنظم نسبة تتعدى 40% من العاملين على مستوى الدولة. وينبغي أيضاً أن نعمل على تهيئة القطاع التجاري والإنتاجي غير المنظم للاندماج في القطاع المنظم، من خلال التنسيق بين وزارة التجارة والصناعة واتحاد الغرف التجارية، واتحاد الصناعات ووزارة المالية، ووزارة العدل ممثلة في مصلحة الشهر العقاري، مع ضرورة الإشارة إلى أن وزارة التجارة والصناعة بدأت بالفعل اتخاذ خطوات جادة نحو ذلك من خلال تعاونها مع "المحليات".
*أخيراً، حدثنا عن مجموعتك الصناعية؟ - بدأت التجارة في سن صغيرة جدًا بالتعاون مع أخي الأكبر، الذي كان يعمل بالقاهرة، وفي عام 1975م زرت اليابان، وحصلت على توكيل "توشيبا"، وطلبت من المسئولين اليابانيين إنشاء مصنع لتصنيع الأجهزة الكهربائية في مصر، وهو ما تم فعلًا، على أن يكون المكون المحلي من الإنتاج 40%، تم رفعه لاحقاً إلى 60% ثم 65% حتى وصلت إلى 95%، ومع تطور الإنتاج أنشأت شركة "توشيبا العربي" عام 1978 وحالياً تتجاوز مبيعات المجموعة 17مليار جنيه خلال 2017، وفقاً لآخر الأرقام المعلنة. وتمتلك "المجموعة" قرابة 12 شركة، هي العربى للتجارة والصناعة، والعربي للصناعات الهندسية، والعربى لصناعة التبريد والتكييف، والعربى لتكنولوجيا الإضاءة، والعربى للصناعات المنزلية، والعربى للمنشآت الذكية، والعربي القابضة للاستثمارات المالية، ومستشفى مركز العربي الطبي، والمحلات العمومية للموسيقي، والعربي الدولية، وتوشيبا العربي للصناعات المرئية، وتوشيبا العربي لتسويق الأجهزة المنزلية، كما أمتلك مجمعين صناعيين في كل من مدينتي بنها وقويسنا، يشملان 18مصنعاً عاملاً على مساحة أكثر من 386 ألف متر مربع.