ظل واقفاً يرنو بعينيه للقفص الحديدى، تداعت إلى مخيلته الذكريات، فعادت به حيث عام 65، فى قفص كهذا وضعه جمال عبدالناصر، كم كان يكرهه، بسببه زُج به فى السجن على خلفية انتمائه لذلك التنظيم «اللعين». كم حدثته نفسه بتمنى الجلوس فوق عرش سيادة «الرئيس» وهو من حاول الظهور دوماً فى ثياب الحكماء الوسطيين، لكنهم قيادات الإخوان «الحمقاء» رفضوا مساندته فى المعركة الانتخابية مفضلين عنه «ربيب المعبد المخلص الأمين» وكيف ينسون له فعلته من قبل.. لقد كان الأب الروحى والممول المادى والمعنوى لأكبر حركة انشقاق فى الجماعة خرج على أثرها أبرز قيادات التنظيم الشبابية آنذاك بحزبهم «الوسط». هبت رياح الشام لترفرف أذيال روبه الأسود فشعر بالحنين لدمشق، موطن جده «عبدالله» الذى لم يكن مصرياً، لكنه حصل على الجنسية عام 1940 كونه أحد رعايا الدولة «العثمانية». تشحذ اللحظة الذاكرة لتعود به إلى طفولته فيطوف به شبح والده وهو يطوف مع حسن البنا القرى والنجوع يدعو لفكرة «الإخوان».. انتابه هاجس ضياع الفكرة والمشروع والحلم. يقف بين يدى العدالة «اليوم» ليدافع عمّن سرق الحلم الرئاسى من بين يديه، إلا أن «السارق» استطاع أن ينزع من قلبه قليلاً من «الغضب» وجعل له كرسياً فى بهو القصر، فبات من المؤيدين وتظاهر بالرضا؛ فغير «مرسى» لم يكن يختصه بذلك. شعر بالاختناق وكأن أيادى القتلى أمام «الاتحادية» تُحكم الطوق على رقبته وكأن ثكالاهم يمسكن بتلابيب روبه الأسود. من «قلعة صلاح الدين» وقف أمامه عشرات الأنصار ليطلق برنامجه الانتخابى، كان يتمنى أن يكون فاتحاً ينحته المؤرخون على أوراق كتبهم. حدثته نفسه.. لقد حاول أن يرضى الجميع لكنه خسر كل شىء وظل كشوكة فى حلقهم لا يستطيعون بلعها ولا لفظها، يعتقد الإخوان أنه يكنّ لهم حقدا أسود وهو الطامح إلى السلطة والقيادة، ويؤمن السلفيون أنه علمانى مفرّط فى أصول الشريعة وقواعدها، ويشوش على المسلمين عقيدة السلف الصالح، أما المدنيون فيعرفون أنه وإن بدا معتدلا إلا أنه يُكمن الأصولية والتشدد، أليس هو من أوشك على أن يضرم النيران فى سبيكة الوحدة الوطنية؟ لكن لماذا تدافع عن «قتلة»؟ لم تكن المرة الأولى له؛ فقد دافع عن أعضاء الجماعة الإسلامية بعد أن تلوثت أيديهم بالدماء وخاض مبادرات صلح بينهم وبين الدولة، لكنها فشلت.. كما هو اليوم بالضبط فشل فى مبادراته التى حاول أن ينقذ من خلالها جماعته وتنظيم «أبيه» القديم. ترامت إلى أذنيه صرخات وتعالى الصخب قادما من أمام قصر الاتحادية.. بدا الحسينى أبوضيف يرفع شارة النصر فى وجهه حتى اقتربت من عينيه فأشاح بوجهه.