توقفت كثيرا أمام مبادرة الدكتور على جمعة، مفتى الجمهورية السابق، التى أعلنها مؤخرا لإنشاء صندوق لإعمار دور العبادة المصرية -مساجد وكنائس- عبر فتح حساب بالبنوك المصرية، اختير له رمز يبين توحيد المصريين هو 111111! -قال يعنى المصريين يحتاجون لرمز يعبر عن توحيدهم- ما علينا! وكيف أن المبادرة سيقوم بها رجال أعمال مصريون اتفقوا على القيام بواجبهم نحو الوطن عبر جمع 300 مليون جنيه؟ يا سلام يا ولاد -وأين الواجب نحو الوطن فى مساعدة البسطاء وحل مشاكلهم؟- ما علينا أيضاًً! وما هى إلا لحظات حتى أعلن رجل الأعمال محمد الأمين عن نجاحه وزملائه فى جمع 75 مليون جنيه فى إطار المبادرة!! وهنا لا يكفى سلام واحد، لكن لا بد من «تلات سلامات وشوية تلات سلامات»!! وحتى لا أُتهم بأنى ضد إعمار بيوت الله، أفسر لكم موقفى المستند على أسباب عدة. أولها: أنه سبق للقوات المسلحة إعلان توليها تلك المسئولية ماديا وإنشائيا، فما الداعى إذن لتلك المبادرة؟ وثانيها أنه فى ذات الوقت الذى أعلن فيه السادة المجتمعون -رجال دين ورجال أعمال- عن مبادرتهم تلك، جاءتنى من صديق عزيز رسالة يطلب فيها المساعدة لتوفير احتياجات أهالى عزبة الجمال فى مدينة الصف بالجيزة، وهى عزبة مُعدمة أضيرت من غرق بيوتها فى مياه الصرف الصحى!! أتدرون ما احتياجات تلك العزبة الماسة؟ 500 بطانية، 500 حصيرة، وملابس وأحذية بكل المقاسات لأهل العزبة، سواء كانت جديدة أو مستعملة، وصابون وزيت طعام وحبوب جافة. بالإضافة إلى 500 متر نايلون ثقيل لتغطية أسطح بعض البيوت والحمامات وفتحات الشبابيك لحمايتهم من البرد وأمطار الشتاء. يا الله، 500 متر نايلون؟! لهذا الحد تواضعت أحلام أهل عزبة الجمال فلم يطلبوا «خشب» أو «طوب» لبناء الشبابيك وأسقف المنازل، ورضوا بالنايلون؟! لم يطمحوا أن يجتمع كبراء الدولة والقادرون فيها ليناقشوا مشكلتهم ومشاكل مناطق أخرى كثيرة فى مصر، لا يستطيع المفتى ورجال الأعمال الذين سارعوا لتلبية دعوته أن يعيشوا حياة البشر بها. أدرك أهل عزبة الجمال وغيرهم أنهم خارج حسابات الكبار فرضوا بالنايلون! فقدوا بيوت سكنهم فأصبحوا يعيشون العراء سلوكا ومعنى. وتناسى الكبراء -ديناً ومالاً- أنه لا قيمة لبناء مسجد أو إعمار كنيسة، وهناك من ينام فوق مياه الصرف الصحى ويتلحف السماء فى ليالى البرد القارسة، لم يدركوا أن من فقد الستر لن يستطيع التمسك بتلابيب التدين -إلا من رحم ربى- وبالتالى فلن تعمر بيوت الله، التى جمعوا لها 75 مليون جنيه فى ذات اليوم، كما يجب أن يكون الإعمار. يا الله.. تساءلت: ماذا يمكن أن تفعل هذه الملايين لعدد من العزب التى تتشابه فى المصير مع عزبة الجمال؟ كم محطة صرف صحى يمكن أن تنشئ؟ وكم بيتا يمكنها أن تبنى للمساكين؟ وكم ورشة عمل صغيرة ومهنة يمكنها أن توفر؟ وكم مجمعا يضم مدرسة صغيرة ووحدة صحية يمكنها أن توجد؟ وكم طريقا يمكنها أن تمهد؟ فإذا ما عاش هؤلاء البشر عيشة آدمية سعوا لشكر الخالق فى كل أرجاء الأرض التى جعل منها الله كلها دار عبادة لمن أراد. وإن فاض الخير عليهم بنوا مساجد وكنائس كما أرادوا بعد أن ذاقوا معانى العدالة والرحمة. لن أقول لكبراء مصر إن ما يحتاجه البيت يحرم على الجامع والكنيسة، لكن سأذكرهم بعثمان بن عفان الذى اشترى قافلة كاملة وزعها على المسلمين فى عام المجاعة، وبئر مياه استكثر أن يحتكرها أحدهم. يا سادة اعمروا النفوس تعمر بيوت العبادة.