عرف تاريخ مصر القديم والحديث والأحدث.. صفحات سوداء من الطعن فى الظهر.. ودائماً ما تستوقفنى قصة الجاسوسين هبة سليم وفاروق الفقى بالتأمل فى معنى كيف أن أمة بأكملها من الممكن أن يخيب أملها لأن فى صفوفها خائناً. وكثيراً ما أتجنب أحاديث التخوين، خاصة فى مرحلة كتلك التى يمر بها الوطن والتى يمكن إيجازها فى جملة قالها الفريق أول عبدالفتاح السيسى، نائب رئيس الوزراء، وزير الدفاع، فى أحد فيديوهات شبكة رصد المسربة على الإنترنت عندما قال صراحة إن «الدولة اتفككت وبيعاد تركيبها من جديد».. وهو توصيف دقيق لدولة باتت تعانى من شروخ عميقة فى كافة عناصر قوتها الشاملة وفقا للعلوم الاستراتيجية وأول هذا الشرخ هو التمزق المجتمعى منذ يناير 2011 وتفجر أكثر وأكثر مع حكم الجماعة الإرهابية لمصر. وواقع الأمر أن المواجهة مع حكومة الدكتور حازم الببلاوى قد تأخرت رغم علامات استفهام كانت تأتى من هنا ومن هناك.. وإشارات ملفتة لحكومة كثيرا ما توجهنا إليها بالسؤال عما إذا كانت لديها أجندة أخرى غير أجندة ثورة يونيو وكنا نقنع بكلام أجوف إلى أن التقت المعلومات مع أفعال الحكومة لترسم سياق صفحة جديدة من صفحات المؤامرة التى ما زالت مصر تشرب من كأسها بيد من تعتبرهم منقذيها.. فخريف واشنطن يحمل الكثير حول ما يحاك تجاه شتاء تآمرى جديد فى مصر. وحتى يكون الكلام واضحا.. هذا المقال لن يكون كتابة صماء.. أو إشارات رمزية لأشخاص.. ولكن سيتضمن أسماء بعينها.. وعليها أن ترد وتوضح حقيقة ما نمى إلينا من معلومات داخل العاصمة الأمريكية التى تحمل فى مختلف دوائرها تفاصيل الوضع الراهن وسيناريوهات المستقبل فى مصر. فلدى الأمريكان عادة مجتمعية عبارة عن ساعة عقب ساعات العمل اسمها «الساعة السعيدة» خلالها تلتقى مع من تريد فى شكل من التحرر من التزامات العمل وكثيرا ما يراهن الأمريكان على هذه الساعة فى إنجاز وخلالها أيضاً تفتح شهية السياسيين فى أحاديث النميمة وكواليس كل المطابخ السياسية التى كانت وما زالت تمر عبر الولاياتالمتحدة. وقبل أيام وفى أحد شوارع العاصمة واشنطن كان لقائى مع أحد المصادر المرموقة وبلغنى نبأ الدكتور مصطفى حجازى، المستشار السياسى للسيد رئيس الجمهورية، ومعه الدكتور زياد بهاء الدين، نائب رئيس الوزراء، وزير التعاون الدولى، وواقعة أخرى تخص وزير الخارجية، نبيل فهمى. كان الحديث مع المصدر فى الأساس يدور حول قراءته للسيناريو القادم فى مصر وهو ما سأذهب إليه لاحقا، إلا أنه باغتنى عندما قال لى لماذا يرفض الجيش المصالحة مع الإخوان؟ فكان ردى أن أزمة الإخوان مع الشعب فى الأساس وليس مع الحكومة أو الجيش فالشارع فى مصر هو الذى يرفضهم. فكان رده.. أن هذا الكلام يختلف عما ذكره الدكتور مصطفى حجازى والدكتور زياد بهاء الدين لوفود كبرى المراكز البحثية الأمريكية التى زارتهم فى نيويورك فى نهاية سبتمبر الماضى أثناء انعقاد الجمعية العامة، حيث طلب كل من حجازى وبهاء الدين من الباحثين الأمريكيين أن يتبنوا الترويج والدفع والضغط بأوراقهم البحثية فى اتجاه المصالحة الوطنية فى مصر، أى ضم الإخوان المسلمين مرة أخرى إلى المشهد السياسى المصرى.. وكأن ثورة لم تقم.. وكأن نظاما لم يسقط. وذهب المصدر إلى أبعد من ذلك عندما نسب إليهما القول أن ملف المصالحة هو منطقة خلاف بين الحكومة والمؤسسة العسكرية فى مصر، حيث تضم الحكومة العديد من الأصوات المقتنعة بضرورة المصالحة مع الإخوان، بينما ترفض المؤسسة العسكرية هذا الأمر. إن هذا الكلام يحتاج إلى توضيح من السيدين حجازى وبهاء الدين.. بشكل محدد يتضمن ليس فقط ردهما على ما نسب إليهما، ولكن أيضاً هى فرصة ليخرجا ما فى إناءهما حول المصالحة مع الإخوان.. وهى غاية تتناقض جذريا مع أجندة ثورة يونيو، فقد كانت ثورة على الظلام وخفافيشه ولم تكن أبدا مجرد ثورة على حاكم مثل مرسى بكل ما يمثله من عدم صلاحية للمنصب. وسريعا ما انتقل الحديث حول السفيرة المسحوبة من مصر، آن باترسون.. لتقذف فى وجهى مفاجأة جديدة تخص السيد وزير الخارجية، نبيل فهمى، وهى أيضاً تحتاج إلى توضيح من جانبه.. ومفادها أنه بعد ثورة يونيو مباشرة وفيما كان الشارع فى مصر يغلى من وجود آن باترسون ويطالب برحيلها عن مصر، قام السفير المتميز، ماهر العدوى، نائب مساعد وزير الخارجي،ة بكتابة مقال فى صحيفة «يو إس توداى» الأمريكية الشهيرة انتقد خلاله باترسون وكشف للرأى العام الأمريكى حقيقة الأضرار التى تسببت فيها باترسون للعلاقات المصرية الأمريكية. فقامت باترسون بالذهاب إلى وزارة الخارجية للاحتجاج على المقال والاستفسار عما إذا كان هذا يمثل رأى الخارجية المصرية أم لا؟ فكانت المفاجأة أنه وبدلا من توجيه الشكر للسفير العدوى على قيامه بمثل هذه الخطوة والاشتباك مع باترسون أمام الرأى العام الأمريكى، يتم تحجيمه، بالإضافة إلى تعليمات شفهية بعدم إقدام السفراء على إبداء آرائهم وتحليلاتهم بحجة عدم ازدواجية الانطباع لدى العالم الخارجى عما إذا كان ذلك يمثل رأى الخارجية أم رأى السفير. هذا الموقف إن صح.. فنحن أمام دبلوماسية منبطحة لإرضاء أمريكا فى أبسط الأشياء والخنوع لسفيرة رحلت غير مأسوف عليها ودورها كان مفضوحا فى مصر ويعلمه وزير الخارجية نفسه.. وأمام منهج قاتل لإمكانيات الدبلوماسيين المصريين وكفاءتهم.. السفير نبيل فهمى دبلوماسى مخضرم ولكن من حوله انزعجوا عندما وصفت دبلوماسيته بأنها دبلوماسية «التريد ميل» التى تجرى فى المكان وتبذل جهدا دون أن تخطو خطوة واحدة إلى الأمام.. جراح ماهر ولكنه لا يستطيع أن يوقف نزيفا. أما السيناريو الذى ينتظر مصر.. فإن أروقة بيوت التفكير الأمريكية ما زالت ترى أن إمكانية فرض أمر واقع جديد فى مصر واردة بقوة.. ويعزز من رؤيتها.. الفشل الحكومى.. واتساع رقعة القوى المنبوذة من يونيو، إذ لم تعد تقتصر على الإخوان ولكن تشمل تيار الإسلام السياسى وبعض الوجوه الليبرالية مثل الدكتور محمد البرادعى والدكتور أيمن نور وبعض الحركات المنسوبة لثورة 25 يناير مثل حركة 6 أبريل، بالإضافة إلى بعض القوى غير المصنفة سياسيا ولكنها من قوى الأمر الواقع وهم شباب الألتراس.. وإن هذه القوى تسعى الآن لإيجاد أرضية اتفاق جديدة مشتركة بهدف انفجار شعبى جديد فى مصر بحلول الذكرى الثالثة لثورة 25 يناير.. وإن الأسابيع القليلة القادمة ستشهد عودة جديدة للدكتور محمد البرادعى على الساحة المصرية فى صفوف المعارضة.. وإن انفجار يناير المتوقع هدفه فرض قواعد جديدة للعبة السياسية فى مصر بمعنى أنها إذ لم تتمكن من تغيير التركيبة والأجندة التى فرضتها ثورة يونيو فإنها على الأقل ستكون قد حققت هدفا نوعيا بقطع الطريق على الفريق السيسى من التقدم إلى انتخابات الرئاسة إذا ما استجاب للمطالب الشعبية فى هذا الخصوص. هذه الصورة عندما نضعها مع السيناريو المنتظر لمصر يجعلنا نصف هذه الحكومة بأنها حكومة «طروادة» التى خدعت الملايين عندما وثقوا فيها وهم أول من يقضون على ثورة مصر، وهذه الحالة المؤسسية للدولة تجعل ضرورة ملحة لإعادة منصب «مستشار الأمن القومى»، فوجود مثل هذا الكيان لربط الخيوط بين المؤسسات الفاعلة فى الدولة وتوجيهها إذا حادت عن المنهج والطريق وتقديم الرؤية السليمة للرئيس المؤقت أمر بالغ الأهمية فى هذه الأيام شديدة الصعوبة.. ويجب أن يكون الاختيار لرجل من صلب هذه الأرض حتى تعبر مصر هذه المحنة وتنتصر مثلما كان وجود حافظ إسماعيل مستشارا للأمن القومى بجوار الرئيس السادات فى فترة إعداد الدولة للحرب وقد كان وانتصرنا وسننتصر مجددا.