وزير المالية: نسعى لخفض الأعباء عن المستثمرين خلال الفترة المقبلة    بعد صعود سعر الفراخ البيضاء.. أسعار الدواجن اليوم الاثنين 9-6-2025 صباحًا للمستهلك    وزير الزراعة يؤكد تقديم كافة أوجه الدعم لتنمية المشروعات الزراعية    وزير الري يتابع حالة محطات رفع المياه ومجهودات مصلحة الميكانيكا والكهرباء خلال إجازة عيد الأضحى    فتوح: اعتداء الاحتلال على سفينة كسر الحصار على غزة إرهاب دولة منظم    مستعمرون يهددون بهدم أكثر من 20 منزلاً في اللبن الشرقية    عائلات أسرى إسرائيل تتظاهر للمطالبة بإعادة ذويهم وإنهاء الحرب: أعيدوهم جميعا واخرجوا من غزة    رئيس وزراء ماليزيا يأمر بفتح تحقيق في حادث سير تسبب فى مصرع وإصابة 43 شخصا    رونالدو: كنت مستعدا لقطع ساقي من أجل البرتغال    موعد نتيجة الشهادة الإعدادية في البحيرة 2025 بالإسم ورقم الجلوس    حديقة حيوان الزقازيق تستقبل 2000 زائر في ثالث أيام عيد الأضحى (صور)    إحباط ترويج مخدرات ب62 مليون جنيه ومصرع عنصريين إجراميين بقنا| صور    العمل والتضامن تقرران صرف 300 ألف جنيه لأسرة السائق خالد شوقي ومعاش استثنائي بشكل عاجل    بعد عودته من الحج.. أحمد سعد يشعل حفله في الساحل الشمالي (صور)    قبل الافتتاح الرسمى.. غلق مؤقت للمتحف المصرى الكبير.. فيديو    العسيلي يتألق في حفل «العلمين» في حضور جماهيري كبير    "السبكى": تكثّيف انتشار الفرق الطبية بالأماكن الساحلية والسياحية خلال أيام العيد    مكافأة للمتميزين وإحالة المتغيبين للتحقيق فى مستشفى المراغة بسوهاج    استعدادا لامتحان الثانوية 2025.. جدول الاختبار لطلبة النظام الجديد    ضيوف الرحمن يختتمون مناسك الحج برمي الجمرات في ثالث أيام التشريق    خامس يوم العيد.. هل الثلاثاء إجازة رسمية؟    تراجع أسعار الذهب مع آمال التوصل لاتفاق تجاري بين أمريكا والصين    تجنبا للغرامة، خطوات سداد فاتورة الكهرباء إلكترونيا خلال إجازة عيد الأضحى    التفاصيل الكاملة لحفل شيرين عبد الوهاب في ختام مهرجان موازين    وداع بطعم الدموع.. الحجاج يطوفون حول الكعبة بقلوب خاشعة    سعر الريال القطرى اليوم الإثنين 9-6-2025    بشأن صفقة الموارد الطبيعية.. نائب أوكراني يعد دعوى قضائية ضد الولايات المتحدة    إصابه قائد موتوسيكل ومصرع أخر إثر إصطدامه به في المنوفية    براتب 9400 ..إعلان 135 وظيفة شاغرة في قطاع الصيدلة و تسويق الأدوية    ياسمين صبري: لا ألتفت للمنافسة.. و"ضل حيطة" قصة تمس واقع الكثير من الفتيات    لأول مرة.. رحمة أحمد تكشف كواليس مشاهد ابنها ب«80 باكو» (فيديو)    الاحتجاجات تتصاعد في لوس أنجلوس بعد نشر قوات الحرس الوطني    6 مواجهات في تصفيات كأس العالم.. جدول مباريات اليوم والقنوات الناقلة    «بخلاف كون اللقاء وديا».. ريبيرو يكشف سبب عدم الدفع بتشكيل أساسي ضد باتشوكا    ليفاندوفسكي: لن ألعب لمنتخب بولندا تحت قيادة المدرب الحالي    نقابة الأطباء بعد واقعة طبيب عيادة قوص: نؤكد احترامنا الكامل للمرضى    المنيا: وجبة مسمومة تنقل 35 شخصا إلى المستشفى في ملوي    «أسطول الحرية»: القوات الإسرائيلية تختطف المتطوعين على السفينة «مادلين»    مُسيرات إسرائيلية تلقى مادة سائلة مجهولة على سطح السفينة مادلين    أوربان يتعهد بالاحتفال حال انتخاب لوبان رئيسة لفرنسا    بعد تصديق الرئيس السيسي.. تعرف على عدد مقاعد الفردي والقائمة لمجلسي النواب والشيوخ بالمحافظات بانتخابات 2025    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد» الاثنين 9 يونيو    ضحى بحياته لإنقاذ المدينة.. مدير مصنع "يوتوبيا فارما" يتبرع بنصف مليون جنيه لأسرة سائق العاشر من رمضان    وزارة الأوقاف تقيم أمسية ثقافية بمسجد العلي العظيم    الخميس المقبل.. ستاد السلام يستضيف مباراتي الختام في كأس الرابطة    منافس الأهلي.. قفازات كوستا تقود البرتغال إلى لقب دوري الأمم الأوروبية (فيديو)    اتحاد العمال: مصر فرضت حضورها في مؤتمر العمل الدولي بجنيف    بدون كيماويات.. طرق فعالة وطبيعية للتخلص من النمل    تريزيجيه يضع بصمته الأولى مع الأهلي ويسجّل هدف التعادل أمام باتشوكا.    باتشوكا يتقدم على الأهلي بهدف كينيدي    لا تسمح للخوف بشل قراراتك.. برج الجدي اليوم 9 يونيو    مكونات بسيطة تخلصك من رائحة الأضاحي داخل منزلك.. متوفرة لدى العطار    وكيل صحة سوهاج: تقديم الخدمة الطبية ل8 آلاف و866 مواطنا مؤخرًا بمستشفيات المحافظة    خالد عيش: خروج مصر من قائمة ملاحظات العمل الدولية للعام الرابع يعكس الالتزام بالمعايير الدولية    فضيلة الإمام الأكبر    5 أيام يحرم صومها تعرف عليها من دار الإفتاء    هل يجوز الاشتراك في الأضحية بعد ذبحها؟.. واقعة نادرة يكشف حكمها عالم أزهري    من قلب الحرم.. الحجاج يعايدون أحبتهم برسائل من أطهر بقاع الأرض    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لمن تُكتب الدساتير؟!
نشر في الوطن يوم 19 - 10 - 2013

لماذا ظل دستور 1923 وحتى الآن وثيقة ملهمة ومبدعة، حتى يقال -وهو قول صحيح إلى حد كبير- إنه «الدستور الأم» لكل الدساتير المصرية التى جاءت بعده، حتى وإن شابها مثل دستور الإخوان 2012، ما يمكن أن يكون خروجاً عن روح الدستور الأم، وهى روح ليبرالية منفتحة؟
كان دستور 23 يؤسس لدولة مدنية حديثة بعد ثورة وطنية ديمقراطية هى ثورة 1919 التى شكلت -لأول مرة- جذور الجماعة الوطنية فى التربة المصرية على أنقاض موروثات طائفية وقبلية وإقطاعية كانت عزبة عثمانية تنتمى إلى عصور ما قبل الدولة. وقد قدر لدستور 23 أن تكتبه النخبة الجديدة من البرجوازية المصرية الصاعدة فى مطلع القرن العشرين التى تلقت تعليمها فى الغرب وزاوجت فى تكوينها بين الثقافتين العربية والغربية، واستفادت من تراكمات عصر النهضة والتنوير. ورغم حداثة العهد بكتابة الدساتير، فقد اجتمعت فى «الدستور الأم» شروط بقائه واستمراره وإلهامه، وخلا من التناقضات والمواءمات والمقايضات التى صادفنا كثيراً منها فى دستور 2012 المعيب، كالتناقض بين المادة (43) التى «تصون حرية الاعتقاد» والمادة (219) التى تنضح بعطن الطائفية، واستبعاد كل رأى أو مذهب أو فقه يخالف «أهل السنة والجماعة»، واحتكار حق تفسير مبادئ الشريعة الإسلامية لصالح «توجه أصولى» لا يخفى توظيفه للطائفية فى الصراعات السياسية المحلية والإقليمية، وإعادة توجيه الأنظار والاهتمامات والأولويات بعيداً عن بؤر الصراع المركزية الكبرى كالصراع العربى الإسرائيلى لصالح قوى إقليمية ودولية تريد تمزيق المنطقة وتفكيكها وإعادة تقسيمها بحروب الطوائف والأديان. وكما أنك لا يمكن أن تكون مع الشىء وضده فى وقت واحد، فإنه من غير المنطقى أن تكون مع حرية العقيدة وتفرض فى الوقت ذاته قيوداً على حريات الآخرين الدينية! وشتان بين «حرية اعتقاد مطلقة» فى المادة 12 من دستور 1923 «وحرية اعتقاد مصونة» فى المادة (43) من دستور 2012 والأخيرة كان «كهنة» الجمعية التأسيسية فى 2012 مكرهين من باب المواءمات على قبولها كتنازل مؤلم لا مفر منه.
وليس أدل على «إيمان» الإخوان وحلفائهم بحرية الاعتقاد أن نصاً دستورياً كهذا، لم يمنع عدوانهم على كنائس المسيحيين المصريين ومنازلهم وممتلكاتهم وأرواحهم، عند أول اختبار، وقبل أن يجف المداد الفاسد الذى كُتب به دستورهم الطائفى، بل إن نصوصاً قرآنية تمجد حرية الاعتقاد لم تردعهم عن حرق الكنائس فكيف يرد بغيهم وتعصبهم نص دستورى أُكرهوا عليه تقية ونفاقاً؟!
قد يُخدع البعض ببريق مواد فى دستور 2012 انتصرت للحريات المدنية والسياسية، كحرية الرأى والفكر والإبداع وحرية الصحافة وتنظيم الاجتماعات وتكوين الجمعيات، وهى حقوق وحريات لا تعبر عن قناعات ذاتية للأغلبية التى صاغت الدستور، وإنما سيقت هذه الحريات والحقوق فى إطار مقايضة يخطف الإخوان وحلفاؤهم مقابلها بعض المكاسب الآنية السريعة، كإعادة تشكيل المحكمة الدستورية العليا لغرض فى نفس «يعقوب الإخوانى»، وهو الخلاص من قضاة مناوئين ضاق الإخوان ذرعاً باستقلاليتهم وحيدتهم ونزاهتهم (المادة 176 المعروفة بمادة تهانى الجبالى!). والدساتير ليست «وصفات» طبية أو «تعويذة» تُكتب لعلاج مرض عُضال أو أزمة مزمنة كالظن بأن نصاً دستورياً شارداً كالمادة (1) من دستور 2012 يمكن أن يحل أزمة مستحكمة كأزمة مياه النيل والنزاع بين دول الحوض، أو يعيد تصحيح دورنا الأفريقى الغائب بمجرد أن «يعتز الشعب بانتمائه لحوض النيل والقارة الأفريقية». وكأن غياب هذا النص فى الدساتير السابقة هو الذى خلق الأزمة أو التأكيد فى المادة نفسها على ما لا يحتاج إلى تأكيد، وهو أن لمصر امتداداً آسيوياً تفترشه بالكامل أرض الفيروز أو سيناء التى دفعنا -وما زلنا- مهرها دماً، وكأنهم يغطون على نيتهم -التى انكشف عنها الغطاء- لبيعها والتنازل عنها! تماماً مثلما أعربوا عن نيتهم لإهداء مثلث حلايب وشلاتين وأبورماد إلى «إخوانهم» فى السودان!، فالدستور ليس «ورقة توت» تخفى عوراتهم المفضوحة! وشتان بين رصانة المبنى ورجاحة المعنى فى المادة (1) من دستور 1971 الذى خطا فى تلك المادة خطوة تقدمية ومستقبلية أوسع من كل الدساتير السابقة حين قرر أن «الشعب المصرى جزء من الأمة العربية يعمل على تحقيق وحدتها الشاملة» ودستور 2012 الذى سكت فى المادة (1) أيضاً عن هذه الخطوة. وقرر عوضاً عنها أن الشعب المصرى جزء من «الأمتين العربية والإسلامية». قد يمهد هذا النص الغامض المراوغ إلى حلم إخوانى هو استعادة الخلافة الإسلامية ولكن على الطريقة التركية، كما يخطط العثمانيون الجدد!. ولأن الدساتير تُكتب للمستقبل، والوحدة العربية هدف استراتيجى ومستقبلى، فإن النص الأصلى للمادة (1) فى دستور 1971 هو نص تقدمى لا يتقادم ولا يغيب.
إن الدساتير لا تُكتب لأغراض عابرة أو انتقائية، ولا تُكتب لتصفية حسابات سياسية، ولا تكتفى بتوصيف اللحظة الراهنة، ولا تخضع لضروراتها الملحة، ولا يحكمها المنطق البرجماتى النفعى والمكاسب القريبة وتبادل المنافع وتقاسم «المواد» الدستورية، على طريقة هذه لى وتلك لك!.
الدساتير دائماً وجهتها المستقبل، تخاطبه وتبشر به، وتصنع قطيعة نهائية مع التقاليد الاستبدادية الموروثة من الماضى قريباً كان أو بعيداً. وهكذا كان دستور 1923 وثيقة مستقبلية حملت للمصريين قيماً للمستقبل لم يكونوا على عهد بها وقت صدوره، وكان على الحركة الوطنية بعد ثورة 1919 أن تحملها موجة بعد موجة إلى الأجيال الجديدة. وهكذا يبدو البون شاسعاً بين دستور كتبته الأمة بضمير المستقبل، وهى تهب من رقدة العدم قبل مائة عام، ودستور طائفى تخطفته بليل جماعة ضالة، وكتبته بروح الكهانة والجهالة غير عابئة باحتجاجات المعارضين وحناجرهم التى كانت تخرق جدار الصمت وهى تركض وراءهم «امسك حرامى».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.