إلى جوار المراجيح، التى يمتد عمرها إلى خمسين عاماً، يجلس على كرسى متهالك يرتشف من كوب شاى، يمسكها بكلتا يديه ويترحم على أيام زمان: «هييييه كانت أيام»، سنوات طويلة مرت على محسن أبوطه، وهو يجلس فى نفس المكان ويقوم بنفس العمل، وهو تأجير المراجيح لأطفال السيدة زينب، ويصف نفسه بأنه صانع البهجة فى نفوس الأطفال طيلة 50 عاماً. تجاوز الرجل الستينى كونه «مؤجر مراجيح»، وأصبح خبيراً فى هذا المجال يقوم بتصنيع وإصلاح وبيع المراجيح، فخمسون عاماً كفيلة بأن تجعله رائداً فى هذا المجال لدرجة نيل لقب «أبوالمراجيح المصرى»، وهو اللقب الأعز على قلبه. يكن «محسن» كثيراً من الذكريات لأيام زمان، ويتحدث عن الماضى أكثر من حديثه عن الحاضر حتى تعتقد أنه لا يؤمن بالحاضر ولا يرى فرحة العيد إلا فى عيون من رحلوا عن الدنيا: «عيد!.. هو إنتوا شوفتوا عيد.. ولا إنتوا شوفتوا مراجيح.. العيد كان زمان وفرحة العيد كانت زمان.. دلوقتى الناس خايفة تنزل من بيوتها». يحكى «محسن» عن أول شخص فى عائلته عمل فى هذه المهنة وهو جده الذى امتلك «مرجيحة» منذ عام 1910، كانت هى مورد رزقه، يحكى أيضاً عن نفسه وعن أول مرجيحة اشتراها: «كنا فى الستينات، وكانت العيال فرحانة بيها، دلوقتى بقى فيه ملاهى وبقى فيه مراجيح بتنور بالليزر.. هتروح فين مراجيح عم محسن من كل ده». كثير من الأطفال ترددوا على مراجيح «عم محسن»: «ناس أشكال وألوان جم عندى.. ناس ولاد ذوات وباين عليهم النعمة.. وناس فقرا مش معاهم ياكلوا، لكن قدام مراجيحى الكل بيتساوى». فى منطقة السيدة زينب، أسس ما يشبه مصنعاً صغيراً لصناعة المراجيح، يقوم فيه بإصلاح المراجيح وبيعها للغير لتأجيرها، وفيها أيضا يعلم الشباب الصغير فن المهنة خوفاً عليها من الانقراض: «أكتر حاجة بتضايقنى إن المهنة لمت، خصوصاً وقت الأعياد». الإقبال هذا العام ضعيف حتى على مراجيح «عم محسن»، فألعاب الدولاب والنطاط والفايبر والشلال والزنينة، التى كانت تجذب الأطفال، صارت خالية: «الإقبال ضعيف جداً عن كل سنة، وما أعتقدش هيزيد لأن الجواب بيبان من عنوانه».