الحملة اسمها «كمل جميلك»، وهى تدعو الفريق أول عبدالفتاح السيسى، القائد العام للقوات المسلحة نائب رئيس الوزراء وزير الدفاع، للترشح فى انتخابات الرئاسة القادمة، ليكون رئيساً لمصر. اسم الحملة نفسه «مبتذل»، فيه الكثير من «الاستجداء»، وفيه إيحاء غير محترم بالمرة بأن ما فعله «السيسى» فى 3 يوليو كان «جميل» فى الشعب الذى لولاه لما استطاع أصلاً «السيسى» أن يقوم بما قام به، وينحاز إليه، وإلا لكان انقلاباً حقيقياً متكامل الأركان، كما أن «السيسى» نفسه كان يعطى انطباعاً ما أنه لن يترشح للرئاسة، قالها المتحدث العسكرى من قبل، وأكدها كتاب قريبون من المؤسسة العسكرية مثل عبدالله السناوى الذى قال فى تصريح رسمى ل«الفرنسية» إن «السيسى» لن يترشح للرئاسة، وإنه أخبر مقربين منه أنه لن يترشح حتى لو نزل الناس للشوارع واعتصموا بالميادين مطالبين به، إلا أن «السناوى» نفسه عاد ليؤكد أن «السيسى» سيترشح، كما أن مصطفى بكرى قال إن السيسى سيترشح «غصب عنه» بمبدأ «هتتباس يعنى هتتباس.. اقفل الباب بالترباس يا عباس»، وكأن «بكرى» سيحمله «هيلا بيلا» ويجبره هو وجموع المصريين الشرفاء على الترشح «سيأتى وقت من لن يرشح فيه السيسى لن يصبح شريفاً»، ويطيب لنا أن نتذكر نحنحة الزميلة (وليسامحنى الرب على وصفى لها بالزميلة) غادة شريف فى «المصرى اليوم»، التى كتبت له نصاً: «لو عايز يقفِل الأربع زوجات، إحنا تحت الطلب.. ولو عايزنا ملك اليمين، ما نغلاش عليه والله»، وهى العبارة التى تعجز كل المفردات المبتذلة عن التعقيب عليها، وإن كانت «غادة» حرة فى نفسها، لكن «السيسى» نفسه فى إجابته عن سؤال لياسر رزق أكد أن «الله غالب على أمره»، وبدا وكأنه «يوارب» باباً أوهم الجميع أنه أغلقه بالضبة والمفتاح، ليعود الأمر إلى النقطة التى تجعله سينزل الانتخابات الرئاسية القادمة (بأمر الشعب)، وبالتالى سيفوز (بأمر الشعب)، وسيحكم (بأمر الشعب)، وسيفعل ما بدا له (بأمر الشعب). وهنا لنا وقفة، ليس مع هذا الشعب الذى لن نفهم أبداً سيكولوجيته، أو نقف على تعريف محدد لما يمكن أن نقبله منه ونحن واثقون من أنه فى كامل قواه العقلية، وإنما مع «السيسى» نفسه لنتناقش معه (على اعتبار أننا من هذا الشعب، بعد إذنه يعنى) حول تغير موقفه من «ما اخدوش يا بابا ما اخدوش يا بابا» إلى «الله غالب على أمره». فأولاً: معنى أن يترشح «السيسى» أنه سيقدم استقالته من منصبه فى القوات المسلحة، وبالتالى سيخلفه صدقى صبحى أو أحمد وصفى، وبالتالى يصبح «السيسى» مواطناً عادياً يخوض الانتخابات، لكننا نعرف أنه لن يخسرها (هل هذا إيذان بشعبية جارفة أم إيذان بتزوير مرتقب لمجرد نزول «السيسى»؟)، ناهيك عن عشرات القضايا التى سترفع ضده للمطالبة بمحاكمته أو استبعاده من طرف الإخوان ومن والاهم. وثانياً: من الذى غيّر رأى «السيسى» فى الترشح للرئاسة؟ وما مصلحته، أم أن هذا هو تخطيط «السيسى» من البداية بس ما بيقولش فى الإعلام بمبدأ «واستعينوا على قضاء حوائجكم -من مصر- بالكتمان»؟ وثالثاً: إذا كان نجاح «السيسى» بهذه الشعبية الجارفة (لاحظ أن الخطاب الآن أن الأمر محسوم أصلاً، فبلاها انتخابات بالمرة)، وهو ما ينذر بأنه سيتحول إلى فرعون جديد أو نصف إله، فماذا سيفعل بنا تحت مظلة «الشعب» الذى يؤيده حين نعارضه؟ ورابعاً: هل حاربنا أخونة الدولة لكى نستبدلها بعسكرة الدولة؟ وهل خلصنا من دراويش الإخوان والتيارات الإسلامية ليأتى لنا دراويش «السيسى»؟ وهل حاربنا إقصاء «مرسى» والذين معه لنا لكى يقصينا آخرون على أساس أننا مش من الشعب؟ «نانسى» ترد بمنتهى البلاغة: «مفيش حاجة تيجى كده.. اهدى حبيبى كده وارجع زى زمان». خامساً: حالة «السعار» التى يصاب بها كتاب وإعلاميون وناشطون ومواطنون حين تعارض ترشح «السيسى» لتصبح خائنا وعميلا وطابورا خامسا وخلايا إخوانية نائمة، تشبه بالضبط حالة السعار التى واجهناها حين كنا ننتقد «مرسى» والإخوان لنتهم بأننا ضد الإسلام وفلول وخونة وبنقبض من الخارج، فإذا جاء «السيسى» ليكمل جميله وسط هذه الحالة فما الذى يمكن أن يحدث من هذا الشعب الحبيب الجميل الصبور المهاود؟ وأخيراً: بلد إيه دى بس يا ربى التى تعلق آمالها دائماً على شخص واحد؟ انتهى عهد الأصنام والأبطال الخارقين، لكن أكثر الناس لا يعلمون.