فى إحدى الأغنيات سمعت صاحبة الصوت السمائى تقول (زى جارى لما ابتسم لى شق صور الغربة شق) فأحسست أننى وجدت ما كنت أبحث عنه داخلى وفشلت فى إيجاد كلمات لوصفه. فقررت دون تردد أن أسطو مع سبق الإصرار والترصد على حبات اللؤلؤ التى نظمها هذا الشاعر واقتحمت مشاعرى ونفذت حتى وصلت إلى أعماق قلبى وألهمتنى أن أتحدث إليكم عن الابتسامة. وبداية أقدم له اعتذارى عما فعلت وإن كنت أعتقد أن إعجابى الشديد بكلماته سيكون أصدق اعتذار. أقول إنه فور سماعى كلماته وجدت جميع المعانى التى أحسستها طوال حياتى لكلمة الابتسامة تنهال على ذاكرتى فمن رائعة الفن العالمى الموناليزا التى عرفها الناس منذ القرن السادس عشر وحتى الآن بابتسامتها الساحرة والتى تزين متحف اللوفر الفرنسى مروراً بإبداع الكاتب وحيد حامد فى فيلمه الشهير (اضحك الصورة تطلع حلوة) الذى قام فيه أحمد زكى بدور المصور الفوتوغرافى الباحث عن صدق الصورة من خلال الابتسامة ومسابقة أجمل ابتسامة وتوقفاً عند علماء النفس والاجتماع والتجميل التى تفرقت بين أوراقهم ووسط أبحاثهم معنى الابتسامة وأنواعها وكيفية تغييرها يبدأ حديثنا عن ماهية الابتسامة، وهل مكانها الوحيد هو الشفاه أم أن القلب يبتسم والعين أيضاً والوجه والأيدى ولمساتها؟ وبمعنى أشمل هل تبتسم أجسادنا ومشاعرنا من السعادة أم من الحب والإعجاب والترحيب بالأحباب والنجاحات والوصول للقمم؟ وإذا كان معنى كلمة ابتسامة هى البشاشة وأقل الضحك وأحسنه، وتوصف المرأة بأنها بسامة والرجل بسام فإنه من صفات الرسول صلى الله عليه وسلم أنه (كان بسام المحيا). وإذا كانت ابتسامة الأطفال هى أجمل الابتسامات التى يتنافس المصورون لالتقاطها فإن لها أيضاً معانى وتاريخاً. فقد أثبتت الأبحاث والدراسات العلمية الحديثة أن ابتسامة الرضيع لها معنى، وأنها ثلاثة أنواع؛ أولها الانطباعية وهى التى ترتسم على وجه الرضيع قبل أن يبلغ عمره ثلاثة أيام وتظل مستمرة معه طوال الشهر الأول وهى تبدو فى الحقيقة لمن يراها كما لو كان صاحبها متردداً فى أن يبتسم شبه ابتسامة. وبعد أربعة أسابيع من عمر الرضيع تظهر الابتسامة العامة وهى مميزة جداً وواضحة لتتحول بعد سبعة أشهر إلى الخاصة التى توجه للأم والأب والمحيطين به. ويقول العلماء إنه عندما يبتسم الإنسان تتحرك من 5 إلى 13 عضلة فى وجهه، أما إذا تجهم أو عبث فإن هناك 47 عضلة على الأقل تعمل فى تلك اللحظة. ومن الطريف أن الابتسامة أصبحت الآن علماً يدرس وفناً يمارس لتحسين العلاقات الاجتماعية وتنمية الجوانب الاقتصادية والدبلوماسية، ويقولون إنه تم الاعتراف به كعلم منذ بداية القرن العشرين، كما كتب عنها الحكماء والفلاسفة الكثير؛ فقد قال شكسبير: (أن تشق طريقاً بالابتسامة خير من أن تشقه بالسيف)، أما فولتير فقال: (الابتسامة تذيب الجليد وتنشر الارتياح وتبلسم الجراح وهى مفتاح العلاقات الإنسانية الصافية)، أما الأم تيريزا فقالت: (يبدأ السلام بالابتسامة). وقد وصلنا الآن فى علم جراحات التجميل إلى الابتسامة الرقمية والتى تعتبر أحدث صيحة فى تجميل الأسنان حيث يحاول البعض محاكاة ابتسامة المشاهير والنجوم بها. وقبل تنفيذ هذه العملية التجميلية يمكن للشخص أن يشاهد عرضاً مرئياً للتعديلات التى سيحصل عليها فى النهاية، ومن المهم فى تلك الحالات أن يكون الطبيب المختص لديه القدرة على استعمال تلك التقنية ودمجها مع قدراته الفنية حتى يتمكن من رسم وتطبيق الابتسامة المختارة بشكل جيد. وبعيداً عن العلماء والتاريخ والتجميل والمحاكاة أقول أنا لكم إن الابتسامة هى أجمل لغة فى الحياة ولا تحتاج إلى الترجمة، متعكم الله بها دائماً وأبداً.