الأخبار المتواترة عن تعيين الداعية السلفى محمد يسرى وزيراً للأوقاف، معناها أننا أمام مشهد غاية فى التعقيد، والعبثية، وتقديم الولاءات على الكفاءات، وتوسيد الأمانة لغير أهلها. المذكور فشل فى إقناع الناس به كعضو نيابى، وهو من الذين يكفِّرون الأزهر وعقيدته، ويعتبر منهجه بدعيّاً ضالاً، والسلفيون عنده هم الامتداد الطبيعى للإسلام السهل غير المتشدد! ويعرف تماماً أن فكره يتنافى قطعاً مع المنهج الأزهرى، وأن ارتداءه الزى الأزهرى مقصود به التدليس والخديعة، ويدل على مشكلة أخلاقية، وسيحترمه الناس إذا أعلن فكره دون مداراة، وأدعو لمراجعة مقالى السابق: (الأزهريون المغشوشون.. سماتهم ومقاصدهم). الوزير المتوقع، له كتاب (شرح متن درة الإيمان) يكفِّر ويبدِّع فيه عقيدة الأزهر التى عليها أبناؤه منذ ألف سنة ويزيد، وقدم لهذا الكتاب سلفيون، كلهم يقولون بضلال الأزهر فى العقيدة، وبدعيَّته فى المذاهب، ويصفونه بالشرك فى الأخلاق والفلسفة. وأما مؤلفاته العلمية فلا يغرنك كثرتها، فمعظمها عن النقاب والختان والقبور والنذور والموالد، وليس فيها إلا تَرداد لصدى فتاوى سعودية. لكن لم يُعرف عنه أن كتب فى قضايا المحك الرئيسة التى يقاس بها العلماء، كوضع البويضة المخصبة فى رحم الزوجة بعد وفاة الزوج، وحقوق المطلقة بعد الدخول، وتغير الربح فى التمويل العقارى، ونكاح منكوحة الأب غير المدخول بها، وأثر الشخصية الاعتبارية فى الترجيح، ولا تحدّث عن فهم التراث، أو تجديد الخطاب الدينى، ولا عُرف عنه تميُّز فى الإدارة، ولا كان يوماً مهموماً بقضايا الأئمة وتطويرها، كتابه المميز عن الأقليات المسلمة، ولا أدرى ما الارتباط بين تولى وزارة الأوقاف وبين التخصص فى الأقليات المسلمة. كما لم نعرف المشايخ الذين أخذ عنهم العلم قبل أن يتصدر، ذلك لأنه لم يأخذ العلم عن شيخ معتبر، ومن أخذ عنهم لا يستطيع الإفصاح عنهم، لأنهم بكل بساطة هم رموز التشدد والتكفير فى المجتمع. ومن فتاويه أن «الاحتفال بالمولد النبوى حرام، وأصل الاحتفال بدأ مع استبطان الكفر»، هذه العقلية هى المرشحة بعد الثورة للجلوس فى مكان جلس فيه الإئمة الأكابر أمثال الشعراوى والغزالى، ولا أدرى ماذا يفعل مع الاحتفالات السنوية بالمولد النبوى فى المساجد، وهل يمنع إذاعة القرآن الكريم من نقل الاحتفالات الداعية للكفر من المساجد؟ وماذا يفعل فى مساجد المقامات التى يرتادها الملايين، وهو يفتى بشركهم وضلالهم، فهل يسكت على الشرك أم يدخل فى حرب مع ملايين المشركين؟! أم يهتم بالمشكلات التى حبلت بها الوزارة من رشاوى ونهب وسرقات؟ وماذا يفعل مع إمام تخرج وفق منهج معين طوال دراسته، ثم اصطدم بوزير أوقافه يبدع هذا المنهج ويرفضه؟ ليقل لنا رئيس الوزراء: ما مقومات اختيارك هذا الرجل، وما السير الذاتية التى كانت معروضة أمامك عن العلماء، والدعاة، وعمداء الكليات، وغيرهم، التى من المفترض أنك اطلعت عليها، وراعيت الله، ثم وقع اختيارك على رفضها وقبول هذا الشخص تحديدا؟ الإجابة أن الكل يعرف أن اختيار الشيخ يسرى فى التأسيسية ولوزارة الأوقاف هو مكافأة له لتأييده لمرسى، ولقربه من الشاطر، والأخير ذو اتجاهات سلفية، وصديقه أو قل رئيسه فى هيئة الإصلاح، وأن هشام قنديل أُجبر على هذا الاختيار دون حول له ولا قوة. إننى أقول بكل صراحة ومسئولية أتحملها: إن مؤلفات د. يسرى الذى وقع عليه الاختيار لتشكيل عقول الأئمة والخطباء.. هذه المؤلفات مع مثيلاتها هى التى شكلت المنابع والمرجعيات والتصرفات للشبان الثلاثة الذين قتلوا شاب السويس، وهذا ما أبينه فى المقال القادم.