مش عايز أى «جزمة قديمة» يتكلم عن «الداخلية» أو «عودة الدولة البوليسية» أو «قانون الطوارئ». نريدها «بوليسية» بامتياز. نريدها «فاشية» فى بوليسيتها. نريدها شوكة فى ظهر كل دعاة المصالحة وحقوق الإنسان. نريدها «حجة» فى مواجهة إرهاب الإخوان وحلفائهم والآكلين على موائدهم ممن صدعوا رءوسنا بأسطوانة «الدم الحرام». نريدها هكذا: شرفاء من كل الرتب -جيشاً وشرطة- يحملون أرواحهم على أيديهم ويذهبون إلى الموت بأقدامهم.. بينما نحن نجلس وراء مكاتبنا، مستمتعين بالتكييف، مختبئين فى وساوسنا وكلامنا «المجعلص» من مسيرات الجماعة وقلة أدب مأجوريها ومرتزقتها. بالأمس.. «حررت» الداخلية -بدعم من جيش مصر المتوج- بؤرة «كرداسة» دون إراقة نقطة واحدة من دماء سكانها، أو حتى من دماء خفافيش الإرهاب المختبئة فى جحورها. قبل «كرداسة» ببضعة أيام تحررت قرية «دلجا» من حصار هؤلاء الإرهابيين، وقبلها تحررت إشارة «رابعة» وميدان «النهضة».. أما «سيناء» فمشوارها سيطول قليلاً.. لكنها حتماً ستتحرر، إنها حرب «تحرير» مصر بكل ما تثيره كلمة «تحرير» من مشاعر، وبكل ما تستنفره من طاقات. هى الحرب، لكنها ليست «أهلية» كما أرادها المترفون والمرتجفون من دعاة المصالحة والمسار الديمقراطى و«هتيفة» الدم الحرام، هى الحرب، لكنها حرب المصريين ضد أقذر وأحط من أنجبت مصر، هى الحرب، لكنها حرب «الدولة» ضد شراذم كافرة.. لا فرق فى كفرها بين الله والوطن. وما دامت حرباً فلا حرج فى سلاح: من الإقصاء إلى الإبادة، وليكن شهداء الداخلية والجيش ثمناً ل«مصر نظيفة».. ليكن ثمناً باهظاً وموجعاً، لكنهم -جيشاً وشرطة- جديرون به. كان أشد المتفائلين يتوقع مذبحة فى كرداسة، فللداخلية ثأر هناك لا تمحوه دماء، ولا تحرره رقاب آلاف الإرهابيين، لكن «التحرير» تم بدماء الداخلية وحدها.. بدماء الشهيد اللواء نبيل عبدالمنعم فراج، قائد القوات برصاص الإرهابيين أو بنيران صديقة.. فقد احتسبه المصريون شهيداً، شأن عشرات الشهداء الذين قدمتهم الداخلية منذ فض اعتصامى رابعة والنهضة. لا أحد يحدثنى عن الدم الحرام، فالدماء التى تجرى فى عروق الإخوان وحلفائهم ليست مصرية.. وليس فيها من الإسلام كرة حمراء واحدة، وإذا كان الجميع يطالبون الداخلية ب«ضبط النفس» فى حربها ضد الإرهاب.. فإننى أتساءل: أى ضبط نفس أمام عدو حقير، وسافل، لم يكتف بقتل الضباط والجنود، بل تلذذ بقتلهم والتمثيل بجثثهم؟ إن إسرائيل -عدو مصر التقليدى والتاريخى- لم تفعل بضباطنا وجنودنا فى حروبنا الأربع ما فعله الإخوان وحلفاؤهم، لأن إسرائيل -بكل أسف، ورغم أنها كانت تدافع عن وجودها- أكثر التزاماً من هؤلاء «المصريين.. المسلمين» بما يسمى «شرف الخصومة». عندما أضع نفسى فى أقرب موقع إلى شهيد من رجال الشرطة أو الجيش، وأتخيل أننى شقيق أو ابن أو صديق لهذا الشهيد.. ينتابنى إحساس بالغل ويفور دمى، وأقسم بينى وبين نفسى بأننى لو قُدر لى أن أقبض على أحد هؤلاء القتلة.. ل«نتفت» لحيته المخضبة بدماء شرف هذا البلد شعرة شعرة، ثم مزقت وجهه الكئيب، المقرف، وعصرت رأسه الخرب المتخلف فى قنينة، وكتبت عليها محذراً: «مواد قابلة للاشتعال». لا أعزى فى شهيد ولا أحزن، فهذا نداء الواجب ونداهة الجنة، وهؤلاء الشرفاء الذين لا يصدقون الموت ولا يحبون لقاءه وهم مضطجعون على فراشهم أو مختبئون وراء مكاتبهم.. هم الذين يستحقون بلداً عظيماً مثل مصر.. هم المصريون بحق، والمسلمون بحق، لست حزيناً على اللواء نبيل عبدالمنعم فراج، بل حزين على نفسى لأنه أكثر «مصرية» منى ومن كل المترفين الذين أوهمونا أنهم «مصريون»، وأن دماء كل المصريين حرام، لست حزيناً على اللواء نبيل فراج، ولا على كل الشرفاء الذين قدمتهم «الداخلية» عربوناً لعودتها إلى «وطنها» و«شعبها» بعد تغييبها وتشويه صورتها طوال ثلاثة أعوام، لست حزيناً.. بل أشعر أن كل شهيد سيكون وقوداً جديداً ل«ثأر وطنى» لن يتوقف، ولا أتمنى أن يتوقف، إلا بعد حرق كل سنتيمتر من أرض مصر مشى عليه إرهابى ذات يوم.