للمواطن المعوق حقوق على المجتمع والدولة التى يعيش فيها، لكى نيسر له حياته اليومية واحتياجاته الأساسية، فنحن نرى فى بعض نشرات الأخبار ترجمة فورية على الشاشة بلغة الإشارة لمعوقى السمع، وفى بعض البلاد تزود إشارات المرور بجرس يحدد فتح الطريق لعبور المشاة عند الضغط على أحد الأزرار فى عمود الإشارة، أما أنفاق المترو فى طوكيو فأرض الممرات ينشأ بها خط بارز ليقود الضرير إلى المسار الصحيح، كما يستطيع المعوق أن يعرف إلى أين يؤدى هذا الاتجاه بتلمس حروف برايل البارزة عندما يتحسس سياجا خاصا فى جانب الممر، وعادة تجهز الأرصفة والسلالم بمنحدر آمن لنزول المقاعد المتحركة فى كل مدن العالم. آه نسيت أن أقول إننى فى تجوالى فى هذه المدن التى أتيح لى زيارتها لا أتذكر أننى رأيت أصلاً مواطنا أعمى يتجول فى الشارع. أما فى مصر المحروسة فيكتسب الأعمى مهارات خارقة، ففى مدينة بازدحام القاهرة، تتميز بفوضى المرور، اعتدت منذ سنوات أن أرى شحاذاً أعمى فى مترو مصر الجديدة وهو يقفز من باب المترو قبل أن يتوقف على المحطة ليستقل القطار التالى، كما رأيت أيضاً منادى سيارات كان يقف عند جريدة الأخبار وهو يحاول إرشادى لركن السيارة، والغريب أنه كان أعمى تماماً. تذكرت كل ذلك عندما شاهدت مؤخراً موضوعاً تليفزيونياً على قناة bbc يعرض تجربة جديدة لقناة تليفزيونية باسم قناة ماريا، وحسبما قال منشئ القناة إنها اتخذت اسمها من ماريا القبطية التى كانت عبدة تحت حكم الكنيسة المصرية، وقد أهداها المقوقس لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) فحررها وتزوجها فى إشارة إلى أن الإسلام حرر النساء من ربقة العبودية، والجديد فى هذه القناة أن مذيعيها والعاملين فيها من النساء المنتقبات، كما يمتد النقاب أيضاً لضيفات القناة. وأول ما خطر لى أن هذه السياسة لا تصلح للتليفزيون كوسيط يعتمد على الصورة بالأساس ومن ضمنها شكل مقدمة البرامج وتعبيرات وجهها المختلفة حتى ملابسها، ولكن وبعد قدر من التفكير والتأمل، بحثاً عن سبب لإنشاء هذه القناة، عثرت على السبب الحقيقى؛ فهذه القناة لمتحدى إعاقة النظر، والحقيقة فقد أكبرت هذا الهدف النبيل فهو مساهمة فى مجال نفتقد، كما أسلفت فى بداية المقال، إلى الكثير من الجهد والعمل فيه. وهنا قررت أن أختبر تأثير القناة على المبصرين من أمثالى فنظرت لإحدى المتحدثات وقد تحررت من رؤية وجهها والتفت لمضمون حديثها، فإذا بعينيها تجذبان انتباهى، ورأيت جمالاً وسحراً فى العينين لا يمكن تجاهلهما، ثم بدأ خيالى يصور لى ما يشى به هذا الجمال من وجه صبوح ومليح، فرحت أتخيل أنفها وتساءلت عن حاجبيها هل هما مزججان أم على طبيعتهما، وتساءلت عن ثغرها وشفتيها، وأكملت الصورة بذقنها ووجنتيها ودققت لكى أعرف لون بشرتها وفجأة أدركت فخاخ الشيطان فاستغفرت الله وأغلقت الشاشة. حينها أدركت أنك عندما تحجب فإنك تطلق حصان الخيال الجامح، والخيال لو تعلمون من عمل الشيطان. يا سيدنا الشيخ ما تخليها إذاعة أحسن.