وسط الحزن والخراب، ودخان الحرائق، ودموع الضحايا، ظهرت كعنقاء الرماد من الدمار، النخبة القبطية الجديدة، تعمدت بالدماء، وتكحلت بالرماد، تقوم الآن كتيبة من اتحاد شباب ماسبيرو، بالرصد والتوثيق، للكنائس والمؤسسات والضحايا، وللأمانة العلمية والتاريخية، كان لهؤلاء الشباب دور هام فى إصدار التقرير الأول للأحداث فى 18 أغسطس، من بين هؤلاء د. أنطوان عادل، تونى صبرى، مينا ثابت، هانى أبوليلة، هانى رمسيس، إبراهيم إدوارد، مريم سمير، مريان ناجى، إيفون مسعد، ريمون أنور، نادر شكرى، وبيشوى تمرى، وآخرون، كنت أتابع مخاض ولادة هذه النخبة منذ ديسمبر 2009، حينما خرج الأقباط للمرة الأولى فى مظاهرة احتجاجية أمام محافظة الجيزة، اعتراضاً على إيقاف الحكومة العمل فى بناء الكنيسة، حينذاك ألقى القبض على 152 مواطناً قبطياً، كانوا من كافة الطوائف المسيحية، فى تلك الفترة كانت جبهة العلمانيين ومنسقها كمال زاخر، والتى تأسست 2006 تدعو للإصلاح الوطنى والكنسى، جنباً إلى جنب مع محاولات تنظيمية أخرى مثل: «أقباط من أجل مصر»، التى أسسها الصحفى هانى الجزيرى، والناشط رامى كامل وآخرون، للمطالبة بحقوق الأقباط، وتلا ذلك تظاهرات المواطنين المصريين الأقباط فى نجع حمادى، بعد مذبحة ليلة رأس السنة 2010، ورصد للمرة الأولى مشاركة المواطنين المصريين المسلمين فى تلك التظاهرات، وصولاً إلى تفجيرات كنيسة القديسين فى الإسكندرية ليلة رأس السنة 2011، وما جرى من تظاهرات فى الإسكندرية والقاهرة، ورفعت تلك المظاهرات (2و3 يناير) للمرة الأولى شعارات إسقاط للعادلى ونظام مبارك، وهناك قضية معروفة إعلامياً بقضية «كنيسة مسرة» وثقت تلك الشعارات، وكانت تضم متهمين من المسلمين، ولوحظ أن تلك التظاهرات ضمت أيضاً قادة من الحركات القبطية الجديدة.. جنباً إلى جنب مع قادة من الحركات الوطنية الجديدة، لذلك لم يكن غريباً أن نجد الشباب القبطى فى طليعة من خرجوا فى 25 يناير 2011، ومنهم من أصيب مثل مينا ناجى، ومن استشهد مثل مينا نبيل، حدث ذلك رغم تحفظ قيادات كنسية على مظاهرات 25 يناير (نشرت نداءات فى المصرى اليوم 25 يناير من الأنبا يؤانس سكرتير البابا الراحل شنودة الثالث والأنبا أنطونيوس عزيز مطران الجيزة للأقباط الكاثوليك وجناب القس الدكتور أندريه زكى، مدير الهيئة القبطية الإنجيلية بعدم المشاركة فى المظاهرات). كذلك شاركت قطاعات من الأكليروس فى الثورة، كان أول بيان من رجال دين مسيحيين لتأييد الثورة صادر من الآباء وليم سيدهم اليسوعى وهنرى بولاد اليسوعى 29 يناير، ثم نشر مقال فى الأهرام ووطنى 1/2 /لنيافة الأنبا موسى أيد فيه الثورة وباركها، ورويداً رويداً بدأت النخبة القبطية الجديدة فى الظهور فى الصلوات المشتركة بالميادين، وبرز دور كنيسة قصر الدوبارة والقس سامح موريس، والدكتور القس إكرام لمعى، والتصدى، وهكذا وحدت الميادين من فرقتهم الخلافات اللاهوتية والعقائدية، ولكن الرياح أتت بما لا تشتهى السفن، وتفجرت أحداث كنيسة المريناب بأسوان، ومحاولة هدم كنيسة الشهيدين بأطفيح، تجمعت تلك النخب الشبابية مع قادة روحيين مثل الأب متياس نصرى والأب فلوباتير، واعتصم الشباب القبطى فى ماسبيرو، وهنا ظهرت أول ملامح الفصل بين الروحى والسياسى، حينما طلب البابا الراحل شنودة الثالث من المعتصمين فض اعتصامهم، فكان ردهم: «قداستك قيادة روحية، نسمع قراراتك الروحية، ولكن فى السياسة لنا شأن آخر»، كما أحدثت ثورة 25 يناير نقلة نوعية، حيث انتقلت المعارضة القبطية من بلدان المهجر إلى مصر، وأسس الناشط مجدى خليل، مؤسس بحثية «منتدى الشرق الأوسط للحريات، وأسس الناشط مايكل منير حزب الحياة، وفى 3 فبراير أصدرت الكنائس الثلاث الأرثوذكسية والكاثوليكية والإنجيلية بياناً لتأييد الثورة. شهدت الفترة من أبريل 2011 وحتى يونيو 2012 سقوط 62 شهيداً، فى مذبحة ماسبيرو، وأحداث إمبابة ومنشية ناصر ودهشور وغيرها و914 جريحاً قبطياً، والاعتداء على 24 كنيسة، وتهجير 124 أسرة، لم يعد منها حتى الآن 43 أسرة، وحرق المدعو أبوإسلام الإنجيل المقدس علانية، وازدرى د. ياسر برهامى المسيحية فى 14 فتوى مسجلة فى مواقع «صوت السلف» «أنا سلفى» أشهرها فتوى عدم توصيل سائقى الأجرة للكنائس!! ورغم ذلك لم يتخل الشباب القبطى عن نضاله الوطنى وأعلن عن تأسيس اتحاد شباب ماسبيرو، تتويجاً لذلك النضال، ومنذ أحداث الاتحادية فى نوفمبر 2012، تعاظمت أدوار المنظمات القبطية، وبرز دور المجلس الاستشارى القبطى الذى يضم كل المنظمات القبطية، وانضم الآلاف من المواطنين المصريين الأقباط إلى كافة الأحزاب السياسية وفى مقدمتها «المصريين الأحرار» «والمصرى الديمقراطى» مما أزعج جماعة الإخوان المسلمين، وشهدت الفترة من 30 يونيو 2012 حتى 30 يونيو 2013 (حكم مرسى) استشهاد 17 قبطياً والاعتداء على 24 كنيسة، وممارسة العقاب الجماعى على الأقباط، وهاجم البلتاجى وصفوت حجازى الأقباط، واستشهد من 30 يونيو 2013 وحتى الآن 20 شهيداً منهم الكاهن مينا عبود، وحرقت 42 كنيسة وتم الاعتداء الجزئى على 29 كنيسة، و9 مدارس و11 مؤسسة، وما زال الأقباط يناضلون من أجل الوطن.