فى بيان فضل صلاة الجماعة فى المسجد أخرج الشيخان عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) قَالَ: «صَلاَةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلاَةَ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً»، وأخرج الشيخان عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ (رضى الله عنه) عَنِ النَّبِىِّ (صلى الله عليه وسلم) قَالَ: «صَلاَةُ الْجَمِيعِ تَزِيدُ عَلَى صَلاَتِهِ فِى بَيْتِهِ، وَصَلاَتِهِ فِى سُوقِهِ خَمْساً وَعِشْرِينَ دَرَجَةً، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وَأَتَى الْمَسْجِدَ، لاَ يُرِيدُ إِلا الصَّلاَةَ، لَمْ يَخْطُ خُطْوَةً إِلاَّ رَفَعَهُ اللهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطّ عَنْهُ خَطِيئَةً، حَتّى يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ، وَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ كَانَ فِى صَلاَةٍ مَا كَانَتْ تَحْبِسُهُ، وَتُصَلّى -يَعْنِى عَلَيْهِ- الْمَلاَئِكَةُ مَا دَامَ فِى مَجْلِسِهِ الَّذِى يُصَلّى فِيهِ اللهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللهُمَّ ارْحَمْهُ، مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ». هل يمكن أن تعوض ثواب الجماعة؟ قد يتصور البعضُ أن الإنسان لو صلى الصلاة الواحدة منفردا خمسا وعشرين أو سبعا وعشرين مرة فإنه يُحصِّل ثوابَ صلاةِ الجماعة، وهذا -مع كونه بالغَ الصعوبة والمشقة- تصوُّرٌ خاطئٌ تماما، ففى «سير أعلام النبلاء» للذهبى و«إعانة الطالبين» للبكرى عن عبيد الله بن عمر القواريرى رحمه الله تعالى قال: «لم تكن تكاد تفوتنى صلاةُ العتمة (أى العشاء) فى جماعة، فنزل بى ضيفٌ، فشُغِلتُ به، فخرجتُ أطلب الصلاةَ فى قبائل البصرة (يعنى فى مساجد القبائل)، فإذا الناس قد صلوا. فقلتُ فى نفسى: يُروَى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: «صلاةُ الجميع تفضُلُ على صلاة الفذِّ خمساً وعشرين درجة» وروى «سبعاً وعشرين»، فانقلبتُ إلى منزلى، فصليتُ العتمةَ سبعاً وعشرين مرةً، ثم رقدتُ فرأيتُنى مع قومٍ راكبى أفراس، وأنا راكبٌ، ونحن نتجارى، وأفراسُهم تسبق فرسى، فجعلتُ أضربه لألحقهم، فالتفت إلىّ آخرُهم، فقال: لا تُجهِدْ فرسَك، فلستَ بلاحِقِنا. قال: فقلتُ: ولمَ؟ قال: لأنا صلَّيْنا العتمةَ فى جماعة، وأنت قد صليتَ وحدَك. فاستيقظتُ وأنا مهمومٌ حزين». فهلم نعتبر رمضان فرصة للاعتياد على صلاة الجماعة ونبذ التكاسل عن الذهاب إلى المساجد. قال ابن تيمية فى «مجموع الفتاوى» ردّاً على من يتصور أن صلاتَه فى بيته أو خلوته تزيده خشوعاً وبُعداً عن الرياء، وردّاً كذلك على الشيعة المبتدِعين الذين يرفضون الصلاةَ فى جماعة بدعوى أنها لا تصح إلا خلف إمام من أئمتهم الذين يدّعون عصمتَهم: «وَمَنْ ظَنّ مِنْ الْمُتَنَسِّكَةِ أَنَّ صَلَاتَهُ وَحْدَهُ أَفْضَلُ إمَّا فِى خَلْوَتِهِ وَإِمَّا فِى غَيْرِ خَلْوَتِهِ فَهُوَ مُخْطِئٌ ضَالٌّ. وَأَضَلُّ مِنْهُ مَنْ لَمْ يَرَ الْجَمَاعَةَ إلَّا خَلْفَ الْإِمَامِ الْمَعْصُومِ، فَعَطّلَ الْمَسَاجِدَ عَنْ الْجَمِيعِ وَالْجَمَاعَاتِ الَّتِى أَمَرَ الله بِهَا وَرَسُولُهُ، فَإِنّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ شَرَعَ الصَّلَاةَ وَغَيْرَهَا فِى الْمَسَاجِدِ».