نشرت جريدة «الوطن» التى يشرّفنى التعاون معها والكتابة فيها أسبوعياً، نشرت فى صفحتها الأولى يوم الثلاثاء الماضى 27 أغسطس 2013، وهو يوم كتابة هذا المقال، أن شباب الإخوان يؤسّسون حزباً بديلاً لحزب الحرية والعدالة برئاسة «الهلباوى»، وأن منسق التحالف الأستاذ «عمرو عمارة» أكد أنهم جمعوا (10) آلاف توقيع بينها (7) آلاف لأعضاء ينتمون إلى الجماعة. تحدثت مع أولئك الشباب عند زيارتهم لى، وأوضحت لهم أننى يمكن أن أساعدهم بالاستشارة بأى صفة معهم، لأننى أحب أن أقضى بقية عمرى فى خدمة مصر، الوطن ككل، بمؤسساته الرسمية والحزبية والسياسية والدعوية، دون أن أثقل كاهلى بعمل تنظيمى أو سياسى أو تنفيذى. ولقد قدَّر الشباب هذا الموقف. ونظراً لأن الدين النصيحة، فإننى أنصح كل من يطلب النصيحة إذا كنت أحسنها، وأنصح للجميع خدمة للوطن ومصلحته العليا، وأنصح للمسجد وللكنيسة وغيرهما من المؤسسات، وهذه النصيحة تكون بالكتابة أو من خلال وسائل الإعلام أو من خلال ندوة أو مؤتمر. وإننى أفعل ذلك تحقيقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: الدين النصيحة. هذا هو المنهج الذى اخترته لنفسى، واطمأن إليه قلبى، ولو كنت تطلعت إلى عمل حزبى كنت التحقت بصفوف حزب مصر القوية، أو التيار الشعبى أو حزب الوسط، أو غيرها، فرؤساء هذه الأحزاب كلهم من خيرة الأصدقاء، وأهداف هذه الأحزاب أهداف طيبة وعظيمة إذا تحققت على أرض الواقع. وقد أعجبنى كثيراً الأهداف التى خطها الشباب لأنفسهم وللمستقبل، فسمّوا الحزب الذى هو تحت التأسيس: شباب من أجل مصر. وهم يعملون فى بيئة سياسية قرروا فيها فصل السياسة عن الدعوة أو العكس، وليس فصل الدين عن الحياة السياسية، لأن الدين، أى دين سماوى خصوصاً، فيه قيم جميلة تعين السياسى إذا تعلّمها وقبلها دون إكراه -تعينه- على أداء عمله بأمانة وإخلاص دون إهدار إرادة الشعب، أى شعب ودون إقحام الدين نفسه فى السياسة.. معظم هؤلاء الشباب تعلموا فى دروس التربية التى وضع مناهجها الإمام حسن البنا أن يتحلوا بالسمات العشر الآتية، أن يكون كل منهم سليم العقيدة، صحيح العبادة، متين الخلق، قوى البدن، مثقف الفكر، منظماً فى شئونه، محافظاً على الوقت، مجاهداً لنفسه، قادراً على الكسب، نافعاً لغيره، وهى صفات يتمنّاها الجميع لأولادهم وشبابهم. وقد قرر أولئك الشباب أن تكون لهم صلة حسنة بمؤسسات الدولة والحكومة، لحل المشكلات أو ما أمكن منها، بدلاً من الاحتكاك والصراع العنيف الذى لا يعود على الوطن والمشاركين فيه جميعاً إلا بالخراب والدمار والقتل والحرق، كما رأينا من قبل، وقد أعجبنى أنهم يقدّرون دور القوات المسلحة فى حماية الثورتين وضرورة تنفيذ خارطة الطريق. وأدركوا بحسهم الفطرى، رغم انخراطهم من قبل فى أعمال مهمة فى تنظيم الإخوان المسلمين، أن ما حدث ثورة حماها الجيش، ولم تكن انقلاباً بأى حال من الأحوال، لأن الجيش لم يحكم بنفسه ولم يفاجئ الشعب بما حدث، ولم يفرض الطوارئ من أول لحظة، ولم يستخدم العنف، وكلها صفات الانقلابيين. كما أعجبنى فى هذا الشباب، أنهم يهدفون إلى تحقيق ثورة زراعية وصناعية وثقافية وحرفية لزيادة الإنتاج وأنهم يريدون مواكبة تطور العصر، والإسهام فى حل الأزمة الاقتصادية الحادة التى تواجهها مصر. هذا الشباب ينطلق من الواقع الذى فهموه جيداً، أحسن كثيراً من بعض القيادات التى أوردت الدعوة مورد الهلاك. طبعاً لو أن جميع الأحزاب اتجهت هذا الاتجاه، وسعت إلى تحقيق أهداف الثورة الأربعة: العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، فإنها من الضرورى أن تسهم فى الثورة الزراعية والصناعية والثقافية والحرفية التى اقترحها: شباب من أجل مصر، والاستفادة من الثورة الثانية لتحقيق أهداف ثورة يناير 2011 الواضحة تمام الوضوح، لكل ذى عينين وكل ذى عقل. إن شباب مصر -سواء شباب من أجل مصر وحزبهم تحت التأسيس أو شباب الأحزاب الأخرى، على كثرتها وتنوع اتجاهاتها- ثروة كبيرة لا يستهان بها، كان اللواء الدكتور عبدالمجيد العبد رئيس الجهاز المركزى للتدريب فى الستينات والسبعينات، رحمه الله تعالى، اقترح إنشاء بنك للثروة البشرية فى مصر والعالم العربى، ولم ينفّذ حتى اليوم ذلك المشروع العظيم. لعل هذه الأحزاب، خصوصاً الشباب فيها تسعى لتحقيق حلم ذلك الراحل العظيم، حفاظاً على الثروة البشرية الشبابية، وحمايتها ضد أمراض التطرّف والعنف، وتحقيقاً لتطلعاتها فى النهضة والتقدم والحرية والعدالة وبناء المستقبل الذى يليق بمصر ومكانتها فى التاريخ الحضارى العظيم، والتاريخ الثورى المعاصر. والله الموفق..