السمعة السيئة تلاحقنى كليبرالية، والقطيع العارم لا يود التفكير بالقضية. يقال إنى أعتنق فكراً منبوذاً ولا أحد يفكر بقراءتى أو ببراءتى. هل لو كتبت مذكرة دفاع سيقرأها أحد؟ القطيع اعتاد ألا يقرأ، حتى القاضى لن يقرأها. أقوم لأصلى فيتساءلون مستغربين: كيف وأنت ليبرالية؟ أستشهد بعبارة قرآنية فيصمت من حولى بدهشة ثم يعيدوا نفس السؤال: كيف وأنت ليبرالية؟ أعلن محافظتى بشأن سلوكيات معينة فيطرح السؤال من جديد: كيف وأنت ليبرالية؟ وفقاً للعرف الجديد الفكر يعنى الكفر، والليبرالية بطبيعتها معتمدة على الفكر والتفكير. والقرآن بقداسته حافل بآيات التدبر والتفكير، حافل بشتى طلبات المعرفة والعقل. وشتى فروض الاستقلالية وعدم التبعية. «اقرأ باسم ربك»، «أفلا تفكرون»، «أفلا يتدبرون»، «هل أتبعك على أن تعلمنى مما علمت رشداً». لِمَ لا تنصتون لهذه الآيات؟ لِمَ تصمون آذانكم عن المعرفة القرآنية وتفتحونها لمحاضرات الداعية فلان والشيخ والمرشد والمصلح؟ جمد الداعية عقولكم.. أجلسكم أمامه فى صفوف تتباكون خشوعاً وخشية فيما يلم هو «الغلة» ويرحلها إلى بنوك العالم. يعرف الداعية من أين تؤكل الكتف. معه حق، لِمَ لا يمارس حيلته ويثرى أمام قطيع يفكر بنفس واحد. قطيع ينتظر بشغف كل محتال يمنحه تذاكر للجنة. قطيع ينكر أنه مسلم وإلا ما كان استعان بداعية. نقطة الضعف العربية أن تدفع الجمهور للبكاء، وتبدأ العملية. ثم تكرر عليه عشرات القصص الإسلامية التى نحفظها من أيام الدراسة. لتنتهى المحاضرة بنتائج مخططة: القطيع مقتنع بأنه مذنب لا يسير وفق تعاليم الداعية. القطيع يبتعد عن القراءة والمعرفة الكونية والدراسة وحتى القرآن ويتخذ من كتاب ألفه الداعية نهج حياة مقدسا فالعمر قصير وقد توافيه المنية فجأة والعذاب لن يرحم. الداعية صار مليونيراً. الهمجية بأعلى مستوياتها. اطرحوا السؤال التالى على أنفسكم قبل توجهكم للاصطفاف أمام الغرباء والدخلاء. لم يمر على الأمة زمن ينتشر به الدعاة والوعاظ بهذه الدرجة القاسية، صحيح، ولم يمر عليها زمن ينتشر بها التشدد ويسدل الحجاب على الشوارع كما يحصل اليوم، صحيح، لِمَ لم ننتقل إذن للتصنيف الدولى المتقدم؟ لِمَ لم يدخلنا هؤلاء الدعاة للعالمية؟ لأن الخراب الذى يحدث هو نتيجة مكونين: الداعية الفاسد والقطيع الهمجى. والمتهم الليبرالية. السمعة السيئة تلاحق الليبرالية. نجح الداعية السياسى بإبعاد شرائح القطيع عنها. والليبراليون منهزمون، مصدومون من كراهية مجتمعاتهم لهم. تخيلوا أنى حين أقول إن الله محبة وتسامح ترد الأغلبية المتطرفة: لِمَ تتحدثين كالمسيحية؟ ألا ترى الأنظمة أنها أمام فكر أشد من القاعدة؟ ليس محصورا بأعمال تخريبية مسلحة، إنما أعماله التخريبية طالت العقول وأحكمت قبضتها على الأفراد. ضمنت خرساً فكرياً لم تمارسه حتى أشد الأنظمة تسلطاً. شوهت كل التيارات وأبقت واحداً فقط بيده وثائق المغفرة. والمعتقلات لم تعد كلاسيكية، إنما عصرية يبنيها كل فرد بنفسه وببيته. كل فرد. وقفت أمام من يستغرب صلاتى أحاول بمرارة أن أشرح شيئاً: الليبرالية أن تختار، أن تملك حق وحرية الاختيار. قد يكون هناك رجل دين، راهب أو شيخ إسلام ويتمتع بصفات الليبرالية السماوية. يؤمن بالحرية للجميع. أليس الله القائل: «لكم دينكم ولى دين»؟ تشويه الليبرالية ربط الفكر بالكفر. ولم يعد أحد يصدق أن ليبرالياً مؤمناً يستيقظ كل صباح ليردد مع الطيور ألحان السماوات. ليظنوا ظنونهم. يكفينى فخراً أننا معشر الليبرالية لا نخاف من إظهار ميولنا الفكرية مهما كانت. ولا نخجل من إعلان خياراتنا الحقيقية. ولا نخدع مجتمعاتنا بل نتمنى لها الخير، متمسكين بقانون الكون رغم الردة والرجعية. الآن، هل تسمحوا لليبرالية مثلى بمعايدتكم برمضان الكريم؟ اللهم إنى ليبرالية صائمة.