يحاول البعض الترويج أن حالة الانتقال إلى الديمقراطية فى مصر حالة مستعصية وأن هناك جهات لا تزال تتحكم فى كل شىء وستفرض ما تريده فى النهاية. حقيقة الأمر أن معظم مشكلاتنا السياسية خلال العام والنصف منذ بدء الثورة ليست بالأمور غير الشائعة، فقد مرت دول كثيرة بمشكلات مشابهة وربما أصعب فى كثير من الحالات. كان بالإمكان أن نمر فى مصر بمرحلة انتقالية أفضل لو لم ترتكب الأطراف المختلفة الأخطاء السياسية التى عقدت الكثير من الأمور وأدخلت البلاد فى متاهات. وإذا ما عادت بنا الأمور إلى المربع رقم صفر وتم حل الجمعية التأسيسية الثانية اليوم، فيجب التدبر جيدا فى أخطائنا التى أوصلتنا إلى ما نحن فيه. يجب التخلى أولا عن تصور أن مصر حالة فريدة بين الدول وأن لها خصوصية مختلفة. هذا أمر غير صحيح بالمرة، فقد شهدت دول أخرى ثورات مضادة، وتسييس الجيش، وانتقال المعارك السياسية إلى ساحات القضاء. أما ضعف النخب ونظرها تحت أقدامها فأمر متكرر فى عدة حالات كانت معظمها حالات فاشلة للأسف. ولعل أهم ما يجب التدبر فيه هو فهم الفرق بين «الانتقال إلى الديمقراطية» و«التحول الديمقراطى». فى الانتقال يتم التركيز على انتقال السلطة من النخبة والنظام القديم إلى نخبة جديدة دون إثارة مشكلات المديين المتوسط والطويل. والعنصر الأهم فى تحقيق النجاح هنا هو ظهور تكتل أو بديل ديمقراطى قوى من القوى السياسية المختلفة، تكتل يتفق على الأسس والقواعد العامة المشتركة لنظم الحكم الديمقراطى لما بعد النظام الشمولى. وكان على هذه النخب حسم اختلافاتها السياسية حول هذا المشترك والحد الأدنى على طاولة المفاوضات وليس من خلال ساحات القضاء أو الاحتكام إلى صناديق الاقتراع، هذا ما يجب فهمه جيدا لو بدأنا من الصفر مجددا. وعلى الرئيس مرسى العبء الأكبر فى جمع الجماعة الوطنية المصرية بتشكيل فريق رئاسى وحكومة ائتلافية موسعة. ومرحلة الانتقال تحتاج إلى نخب وقادة لا ينظرون إلا للمصلحة العامة، وإذا عدنا إلى المربع صفر على النخب أن تضع مصلحة البلاد فقط أمام أعينها، علينا أولا بناء النظام الديمقراطى وفتح باب الحريات فقط لا غير. أما ما عدا هذا من اختلافات سياسية وأيديولوجية فيجب تأجيله إلى ما بعد نجاح الانتقال، أى إلى مرحلة التحول التى يمكن خلالها حسم القضايا الشائكة كقضايا الهوية والعلاقات المدنية - العسكرية والقضاء على الفساد وغيرها. ولنتذكر جميعا أنه لو أراد شعب جنوب أفريقيا حل جميع مشاكله مع الأقلية البيضاء لكان نظام الفصل العنصرى لا يزال قائما إلى اليوم، ولو تمسك الشعب البولندى بقضية الهوية ومن هو الشعب البولندى لربما فشلت الديمقراطية هناك. ولو تمسكت شعوب أمريكا اللاتينية بالقصاص من جيوشها ومن منتهكى حقوق الإنسان أولا لما بنيت أنظمة الحكم الديمقراطية هناك. هناك أولويات لا بد أن تعيها النخب والقيادات ولا بد من نقلها للجماهير وقيادة الجماهير بدلا من الانقياد لها. وفى بلد للمؤسسة العسكرية دور ونفوذ كبير فيه، لا بد من توفر إرادة حقيقية لدى المجلس العسكرى نحو تحقيق الانتقال، ويجب أن تدعم المؤسسة الديمقراطية بشكل نهائى وتدرك جيدا أنه لا يجب تسييس الجيش نظرا لخطورة هذا على الأمن القومى المصرى وعلى الجيش نفسه. وإذا شكلت تأسيسية جديدة لا يجب تكرار أخطاء الماضى، ولا يجب أن ينفرد المجلس العسكرى بالتشكيل، كما لا يجب أن يكون للمجلس العسكرى، ولا لأى جهة أخرى، حق الفيتو على ما تصدره الجمعية التأسيسية، ولا يجب إقحام المحكمة الدستورية العليا فى الأمر.