قد يكون جهلاً أو تقصيراً منى أننى لم أسمع عن الرجل والداعية الدكتور عبدالرحمن السميط إلا منذ أيام قليلة حين تناقلت وكالات الأنباء العالمية خبر وفاته.. وقد استرعى انتباهى تقرير فى محطة «العربية» الفضائية ذُكر فيه أن الرجل الذى توفى عن عمر يناهز ال66 عاماً أنفق 29 عاماً من حياته متفرغاً لأعمال الخير فى دول أفريقيا شديدة الفقر، واسترعى انتباهى أكثر فى ذلك التقرير أن أكثر من 11 مليون أفريقى اعتنقوا الإسلام على يديه.. وهرولتُ إلى موقع «جوجل» وبحثت عن الرجل فعرفت أنه وُلد عام 1947 وأنه كويتى المولد والجنسية، وأنه درس الطب فى بغداد ولفربول وكندا.. وأنه عمل بالطب سنوات قليلة متخصصاً فى أمراض الجهاز الهضمى، وأنه كان يلقَّب ب«رجل بأمة» وكذلك ب«خادم فقراء أفريقيا».. وأنه نال عدداً من الأوسمة والجوائز التقديرية مكافأة له على جهوده فى الأعمال الخيرية، ومن أرفع هذه الجوائز جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام والتى تبرع بمكافأتها (750 ألف ريال سعودى) لتكون نواة للوقف التعليمى لأبناء أفريقيا.. وكان من أبرز إنجازات هذا الرجل الذى وهب سنوات عمره وماله لفعل الخير أنه: ■ أسلم على يديه أكثر من 11 مليون شخص من أفريقيا بعد أن قضى 29 عاماً ينشر الإسلام فى القارة السوداء. ■ مؤسس جمعية العون المباشر التى اهتمت بتقديم العون لفقراء أفريقيا دون النظر لدياناتهم. ■ بنى ما يقرب من 5700 مسجد فى أنحاء أفريقيا وآسيا ورعى 15000 يتيم، وحفر حوالى 9500 بئر ارتوازى لتوفير المياه الصالحة للشرب لفقراء أفريقيا. ■ أنشأ 860 مدرسة و4 جامعات و204 مراكز إسلامية. ■ قام ببناء 124 مستشفى ومستوصفاً و840 مدرسة قرآنية فى آسيا وأفريقيا. ■ قام بدفع الرسوم الدراسية ل95 ألف طالب مسلم وطباعة 6 ملايين نسخة من المصحف وتوزيعها على المسلمين الجدد. ■ نفذ عدداً ضخماً من مشاريع إفطار الصائمين لتغطى حوالى 40 دولة وتخدم أكثر من مليونى صائم كل عام. وقد تعرض الرجل فى أفريقيا لمحاولات قتل مرات عديدة من قبَل ميليشيات مسلحة بسبب حضوره الطاغى فى أوساط الفقراء والمحتاجين، وكذلك تعرض لمحن السجون وكان أقساها أسره أثناء غزو العراق للكويت، وقد تعرض فى سجنه لشتى أنواع التعذيب على يد البعثيين، إلا أنه بعد غزو العراق وجّه مليونى دولار لمساعدة فقراء العراق. وقد كانت بداية رحلته مع العطف على الفقراء أنه لما كان طالباً فى المرحلة الثانوية بالكويت وكان يرى العمال الفقراء ينتظرون فى الحر الشديد حتى تأتى المواصلات فما كان منه إلا أنه جمع هو وأصدقاؤه المال واشترى سيارة قديمة وكان كل يوم يوصل هؤلاء العمال مجاناً رحمة بهم.. وفى الجامعة كان يخصص الجزء الأكبر من مصروفه لشراء الكتيبات الإسلامية ليقوم بتوزيعها على المساجد، وكذلك أثناء دراسته فى إنجلترا كان يجمع من كل طالب دولاراً واحداً كل شهر ثم يقوم بطباعة كتيبات إسلامية ويقوم بتوصيلها إلى جنوب شرق آسيا وأفريقيا. كان هذا جزءاً ضئيلاً مما قدمه الرجل فى حياته المملوءة بالعطاء وأعمال الخير.. وجزءاً يسيراً مما قرأته عن عطائه. وله مقولة بليغة عندما سألوه لماذا ينفق سنوات عمره وثروته فى أعمال الخير، فقال: «قرأت كثيراً عن الجنة فأحببتها حباً عظيماً وأبذل قصارى جهدى لأنال ولو شبراً واحداً فيها»، أدعو الله أن ينال بأعماله ورحمة الله جنات عرضها السموات والأرض. وقد عرفت وسمعت عن كثيرين ثرواتهم أضعاف أضعاف ثروة السميط.. لا هم لهم سوى مضاعفة ثرواتهم.. ومنهم من ينفق الملايين على الساقطات وفى أندية القمار حتى إن أحدهم أنفق فى إحدى سفرياته «فى أندية القمار» حسب تأكيد أصدقائه وأقاربه ما يتجاوز ال10 ملايين جنيه إسترلينى فى ليلة واحدة. فأيهما فاز.. السميط.. أم أمثال هؤلاء السفهاء؟ وقد عرفت وسمعت عن كثيرين أساءوا بعلمهم وثرواتهم للإسلام إساءات بالغة تتضاءل أمامها إساءات أعدى أعداء الإسلام للإسلام بتوجيههم ثرواتهم وعلمهم للعنف والإرهاب باسم الإسلام. فأيهما فاز.. السميط.. أم أمثال هؤلاء السفهاء؟ رحمة الله على الدكتور عبدالرحمن السميط الذى هو حقاً رجل بأمة.. وجزاه الله خيراً وجنة عرضها السموات والأرض، فقد كان واجهة مشرفة للإسلام.. الإسلام الذى لا يعرفه الكثيرون من متأسلمى التيارات الإسلامية السياسية ودعاة العنف والإرهاب.. «والله من وراء القصد».