الأجواء الروحانية التى تبعث بها همهمات المصلين وكلمات الذكر، لم تعد المشهد الوحيد لساحات المساجد، فقد زاحمها مشهد آخر فى الفترة الأخيرة، أقل روحانية وأكثر دموية وقتامة، بعد أن باتت بعض المساجد ساحات للاعتصام والاقتتال، ومركزاً للتداوى والتأبين، وسبق خطابها السياسى الخطاب الدينى المنتظر أن تنشره بين المواطنين. على مدار 6 أسابيع، تم استغلال مسجد «رابعة العدوية» ومحيطه لاعتصام أنصار «مرسى»، وتم منع المصلين من الدخول لأداء الصلوات، وترددت أنباء عن إجراء حوادث تعذيب داخله، ودفن جثث بحديقته، كما تحول مسجد «الإيمان» بحى مدينة نصر إلى مستشفى ميدانى لعلاج المصابين، ومشرحة يقصدها أهالى الضحايا، للتعرف على أقاربهم الذين قتلوا أثناء فض اعتصام «الإخوان»، وها هو مسجد «الفتح» يحتمى به أنصار «مرسى»، خلال الاشتباكات التى شهدتها منطقة «رمسيس» أمس الأول، بخلاف مسجد «الحصرى»، الذى شهد إطلاق نار كثيف بمحيطه، أفضى إلى وقوع ضحايا ومصابين. استباحة المساجد والاعتداء على بيوت العبادة، مشهد رفضه الشيخ صبرى عبادة، وكيل وزارة الأوقاف، مؤكداً أن ذلك يعد مخالفة شرعية، لأنه يعيق إقامة الصلوات، وقد شبه الله من يرتكب ذلك بأنه أظلم الناس بقوله تعالى «ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى فى خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم فى الدنيا خزى ولهم فى الآخرة عذاب عظيم». وحذر «عبادة» من استمرار ذلك المشهد، مؤكداً أن وزارة الأوقاف تقوم حالياً بحصر جميع المخالفات، الصادرة عن أئمة وخطباء بعض المساجد، ممن دعوا للفرقة بين المواطنين، وتصدير الفكر المتشدد، وسيتم أخذ قرار بشأنهم، كما تم تقديم طلب لوزارة الداخلية لتأمين المساجد تأميناً جيداً، والدفع بقوات لحماية بيوت الله المستهدفة، على أن يتم غلق أبواب المساجد بعد ساعات الصلاة المحددة. المناسبات القومية الاستثنائية، التى توحد بين أبناء الوطن ولا تفرقهم، هى فقط المسموح فيها استخدام المساجد فى النواحى السياسية، وفقاً لرأى الدكتور على السمان، المفكر الإسلامى، موضحاً أن التاريخ شهد واقعة تدلل على ذلك حين صعد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر منبر الأزهر، وألقى خطاباً يدعو فيه الأمة إلى مقاومة عدوان 1956، مشيراً إلى أن القاعدة هى أن تخصص المساجد للعبادة والصلاة، ولا تكون مكاناً للصدامات والصراعات السياسية.