بمفردات كلمات فشلت فى أن تعكس مدى الخطورة التى تواجهها مصر من الإرهاب الأسود قال المهندس شريف إسماعيل رئيس الوزراء بلهجة أقرب إلى استجداء نواب الشعب لإقرار إعلان حالة الطوارئ: «إن إعلان حالة الطوارئ فى هذا التوقيت لهو إجراء ضرورى شأننا فى ذلك شأن ديمقراطيات راسخة ارتأت إعلانه ضرورة لحفظ أمنها واستقرارها ومواجهة الأعمال الإرهابية التى تهدد مسيرة التنمية». غير أنه عاد ليكمل بلهجة تقطر توسلاً: «تتعهد الحكومة أمام نواب الشعب بألا يتم استخدام التدابير الاستثنائية إلا بالقدر اللازم لمواجهة الإرهاب وعدم استخدامها للمساس بأى من الحريات العامة للمواطنين أو الانتقاص من حقوقهم». وفى تناقض واضح لأسلوب إسماعيل قالت نظيرته البريطانية تريزا ماى -التى لم تتعرض بلادها لنسبة 1% مما تتعرض له مصر من الإرهاب- فى تصريحات صحفية نشرها موقع بى بى سى باللغة العربية يوم 7 يونيو 2017: «لقد طفح الكيل.. وإننى سأعمل على تغيير قوانين حقوق الإنسان إذا كانت تعترض طريق التعامل مع المشتبه فى كونهم إرهابيين».. وفى لهجة حاسمة قالت أعتزم فعل الكثير لتقييد حرية المشتبه فى كونهم إرهابيين عندما تتوافر لدينا أدلة حتى إن لم تكن كافية لتقديمهم إلى المحاكمة.. وإذا كانت قوانين حقوق الإنسان تعترض طريق فعل ذلك سنغير هذه القوانين كى نتمكن من إنجازه. يبدو أن الدكتور إسماعيل قد أساء تقدير مدى حجم الإرهاب الذى نواجهه، ولا أجد تعليقاً على أسلوب المهندس شريف سوى تلك الجملة الشهيرة التى أطلقها الفنان أحمد لوكسر فى فيلم إسماعيل يس فى البوليس بعد إبدال كلمة واحدة فيها «دى حرب.. افهموها بقى»..! ولم يكن المهندس شريف وحده هو من أساء تقدير الموقف إذ إن تأخر الداخلية فى إصدار بيان عن الحادث ومتابعته بتطورات الموقف قد فتح ما يمكن اعتباره مزاداً فى سوق الجملة، إذ إن هذا التأخر أتاح الفرصة لبعض المواقع الإخبارية المسمومة لرفع العدد إلى خمسين بل ووصل إلى سبعين، إلى درجة أن الهيئة العامة للاستعلامات نددت بتغطية كل من وكالة رويترز وشبكة BBC الإخبارية وطالبتهما بالقيام بأحد أمرين: إما نفى صحة ما سبق لهما نشره من أرقام للضحايا تخالف الأرقام الرسمية، والاعتذار عن عدم دقة هذه المعلومات ومصادرها، أو لو كانتا تستطيعان تأكيد أرقامهما، التى شددت الهيئة على عدم صحتها، فعليهما نشر أسماء هذا العدد الكبير من الضحايا المزعومين. ما جرى فى الواحات أمر لا تداويه تعبيرات «الإدانة أو الاستنكار» ولا يلملم جراحه «إعلان الحداد».. ولا يكفى الزمن ليُسقطه بالتقادم أو أن يُفلت المتورط فيه من العقاب، فلا أحد يدعى أنه خبير فى «حرب العصابات» أو «جنرال عسكرى» غير أن كل الشواهد تؤكد أن خيرة شباب ضباطنا، وجنودنا قد تعرضوا لعملية «خداع» واضحة يجب أن تكون محوراً لتحقيق شامل يكشف عن حقيقة ما جرى، والدليل على ذلك أن وزير الداخلية طلب مراجعة معلومات المصادر السرية، وأجرت أجهزة الأمن استجواباً ل66 شاهداً حتى كتابة هذه السطور! تلك الصدور الخضراء التى اخترقتها رصاصات الغدر لتستقر فى قلوب ملأها حب الوطن قد «أدمت» قلوبنا وشرخت صدور الجميع، ولم تعد دموع حفرت طريقها على ملامح وجوهنا كافية لتعبر عن غضبنا أو لتطفئ تلك النيران التى أشعلت أرواحنا بحتمية القصاص والثأر. مجموعة من خيرة شباب الوطن أوكلت إليهم فروض الواجب حماية حدود الوطن، وتجنيبه شرور البعض الذى يستهدف -تآمراً أو تباطؤاً أو إهمالاً- ذلك الوطن، وبالتأكيد أن أحداً من «أبطال الوطن» هؤلاء لم يتخيل قبل أن يغادر موقعه على «أرض الواحات» ليزف إلى السماء ويصبح من بين هؤلاء الذين باتوا «أحياء عند ربهم يُرزقون» أن البعض يسعى، سواء بالتباطؤ أو التواطؤ أو الإهمال أو الاستهتار، إلى إجهاض حلم الملايين بإعادة انتشال الوطن من بين أنياب الإرهاب الأسود وتحقيق مستقبل أفضل آمن بعيد عن أيدى هؤلاء الذين يتربصون به..! واقع المشهد يؤكد أن جماعة الإرهاب لن تكف عن إسالة الدماء كوسيلة لاسترداد موقعها الذى كانت قد اغتصبته بالزيف والكذب وخداع الآخرين.. ولن يكتفى هؤلاء الإرهابيون بما ارتكبوه من جرائم فى حق الوطن الذى لا يعرفونه، أملاً فى أن يُتاح لهم مكان بين أبناء الوطن مستقبلاً إذا كان لهم أى مستقبل بيننا وفق ما يتوهم به بعض من أفراد «الطابور الخامس» الذين يطلون علينا بين الحين والآخر. ومع كامل يقيننا بأنه ليس هناك بلد فى العالم يمكنه القضاء نهائياً على الإرهاب الأسود.. ومع كامل تسليمنا بذلك المجهود الخارق وتلك التضحيات التى تقدم عليها أجهزة الأمن وقواتنا المسلحة الباسلة، فإن ما تكرر على أرضنا فى الأسبوع الماضى يجب ألا يمر مرور الكرام، خاصة أنه ثبت يقيناً أن هذه الجماعات التى خاصمت الدين وهجرت كل القيم واعتادت سفك دماء الأبرياء تستهدف دائماً أمن الوطن ومواطنيه، وهو ما يدفعنا بإصرار إلى تكرار ضرورة فتح تحقيق وإعلان نتائجه بكل شفافية ومصداقية، عن ظروف ما جرى على رمال الواحات حتى لا تُهدر دماء أبرياء ألزمهم الواجب تجاه الوطن بترك أبنائهم أيتاماً.. وزوجاتهم أرامل.. وأمهاتهم ثكلى! فى النهاية فإن تلك الأرض السمراء التى اختارت أن يضم رمزها ثلاثة ألوان، الأحمر والأبيض والأسود، ويتصدره «نسر صلاح الدين»، ستظل كما هى صامدة تضم مصريين مسالمين هدفهم الخير وتحكمهم الفضيلة ويحيطهم الحق.. فلن يهزمنا «تنظيم أو جماعة إرهابيين».. ولن تكسرنا شهادة أو إصابة.. ولن نُحبط.. ولن نفقد الثقة فى أنفسنا أو قدراتنا.. فإن استشهدنا أو أصبنا فهو شرف نستحقه.. وإن حيينا فسنعيش أبطالاً مرفوعى الرؤوس.. وإن مات منا 100 شهيد فهناك ألف غيره بيتولد.. ولك يا مصر دوماً السلامة.