فى السنوات الأخيرة من حكمه، قرر أنور السادات تصعيد التيارات الدينية المتشددة لمواجهة الحركات اليسارية الوطنية، وكعادة كل العفاريت فإنها انقلبت على الرجل الذى أطلقها من القمقم واغتالته فى حادث المنصة الشهير، وعلى الرغم من الزج بكل هؤلاء الإرهابيين الخطرين القتلة فى السجون، فإن الجرثومة التى غرسوها فى أرض الوطن أينعت وترعرعت وتكاثرت وأنجبت وحوشاً نهمة للدم. وطوال سنوات حكم مبارك، كان همه الأول قنص تلك الوحوش وإيداعها السجون، حتى تراخت قبضته فى السنوات الأخيرة فسمح للإرهابيين أن يبدلوا جلودهم وأسنانهم فى هيئة جماعة الإخوان، وهى البطن الذى خرجت منه كل تيارات التكفير فى مصر، ولأن هذه الوحوش كانت تدرك ضعفها فى مواجهة الدولة والشعب، كانت غالباً تفرغ شحنات جنونها وإرهابها فى المواطنين المسيحيين. وما فعله السادات صار فيما بعد نموذجاً سارت أمريكا على نهجه، إذ أنشأت جماعات إرهابية مسلحة فى الدول العربية، وكانت هذه الجماعات الأشبه بالقطعان فاقدة العقل تسير خلف راعيها الذى لا تراه، وتنفذ ما تخطط له الولاياتالمتحدة. وكان الهدف الأساسى هو حماية إسرائيل عبر إغراق دول المواجهة فى صراعات داخلية ومواجهات لا تنتهى مع الإرهابيين. وفى هذا، رأينا رجال أمريكا المخلصين أسامة بن لادن وأيمن الظواهرى، ثم فرع القاعدة فى العراق، ثم فرع القاعدة فى اليمن والسودان، وأخيراً الوحش المصرى المسمى جماعة الإخوان، أحدث صيحات الإرهاب الذى يرتدى البدلة ويحتفظ بنصف لحية، على غرار محمد بديع وخيرت الشاطر ومحمود عزت وعصام العريان.. إلخ، تساندهم نخبة تافهة تتمتع بنوعية نادرة من الهبل، تلوك شعارات الديمقراطية و«حقوق الإنسان»، وهى فى الواقع «حقوق الأسنان»، حقوق أسنان الوحوش فى النهش. ولأن تيارات العنف الدينى مطيعة وطيبة وحنون، لم توجه طوال الأربعين سنة الأخيرة طلقة واحدة نحو إسرائيل ولم تنفذ عملية واحدة ضد سفاراتها، وتكتفى بعمليات مخططة ضد سفارات واشنطن، أو ضد الأقليات المسيحية. وتجيد أمريكا تجنيد من تسميهم نشطاء، وهى وظيفة تدر دخلاً لا بأس به، إذ يكفى أن تردد كالببغاء ما تريده واشنطن حتى تصبح ناشطاً مرموقاً قادراً على تشكيل جبهات ضغط، كتلك التى تتحدث الآن عن شرعية مرسى وشرعية الإخوان، وتثير رعبنا من حكم العسكر. المهم، أن تيارات التشدد الدينى لا تجيد بدورها سوى لعبة واحدة وهى التنكيل بالأقباط، فعندما خرج نحو 30 مليون مصرى لإسقاط حكم الإرهابيين، قال إرهابيو رابعة إن الأقباط وراء إسقاط مرسى، وتوعدوهم بالويل والثبور وعظائم الأمور، وهو نفس ما حدث لمسيحيى العراق بعد الفتح الأمريكى، وما يحدث الآن فى سوريا. وبعد أن أفسدت القوات المسلحة المصرية كل مخططات إسرائيل وأمريكا لمستقبل المنطقة، لم تجد مفراً من العودة إلى اللعبة القديمة: تحويل سيناء إلى مرتع للإرهابيين الممولين بأسلحة وأموال أمريكية حتى تبقى سيناء منطقة عازلة بين الجيش المصرى وحدود إسرائيل، واستكمال السيناريو الذى بدأ منذ 25 يناير 2011، بإغراق الجبهة الداخلية فى صراعات لا تنتهى، أخطرها الفتن الطائفية التى تلتهم صعيد مصر خاصة. وفى تقديرى أنه لا حل لذلك الجنون الطائفى إلا بنسف جميع مناهج التعليم، أصل الداء والبلاء، ولا حل لذلك الجنون إلا بمد مظلة الدولة اقتصادياً وثقافياً وتنموياً إلى الصعيد، ومن دون ذلك سيبقى الصعيد شوكة فى ظهر مصر.