خسارة التيار الإسلامى لأول تجربة حكم غير ديمقراطية فى تاريخه لم تتوقف عند السياسة فقط بل امتدت إلى مجالات أخرى أصابتها توابع «الزلزال السياسى» الذى أطاح بمحمد مرسى بعد عام وثلاثة أيام من حكمه، فأصابت التيار الإسلامى كله وعلى رأسه «الجناح الإعلامى» بكل تفرعاته الفضائية والورقية ونجومه الذين ظهروا وسرعان ما اختفوا أو تراجعوا. فتحت ثورة يناير الباب على مصراعيه أمام التيار الإسلامى ليمارس حريته لأول مرة بعد سنوات من المعتقلات والسجون والتضييق وفتح قنوات فضائية وصحف خاصة ولكنه لم يقدر «طعم الحرية» فاستخدم قنواته فى الهجوم على الجميع تحت ستار المشروع الإسلامى ولمعت نجوم فى سماء قنواته ليس «بالسبق الإعلامى» إنما «بالسب الإعلامى». خسرت القنوات الفضائية الدينية وكذلك الصحف المنتمية لها مع خسارة الإخوان فى معركتهم مع الجميع وكان قطع إشارة البث عن معظم القنوات المعروفة باسم «القنوات الدينية» عقب بيان الفريق أول عبدالفتاح السيسى بعزل مرسى هو بمثابة التطهير لهذه القنوات عما اقترفته طوال عامين. على رأس الخاسرين قناة مصر 25 الناطقة باسم جماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة والتى يختلط فيها المحتوى الدينى مع السياسى ولم تقدم الدين بوجهه الصحيح ولم تصبح قناة سياسية خالصة باستثناء الدفاع عن الرئيس المعزول على طول الخط ومحاولات فاشلة لتجميل وجه النظام القبيح منذ تولى مرسى مقاليد الرئاسة حتى دقائق سابقة لقرار عزله.. القناة التى كانت تعمل بجانب شقيقاتها من القنوات التى كانت دينية وأصبحت تخلط الدين بالسياسية مثل قناة «الناس» وقناة «الفتح» وغيرها من الشقيقات التى تتلقى تمويلا ودعما من التيار الدينى. فشلت هذه القنوات فى تقديم صورة صحيحة للإخوان ومن على شاكلتهم وأصبحت محسوبة على التيار الدينى بسقطاته وإنجازاته وكان من الطبيعى أن تختفى باختفاء النظام السابق لتكتب نهاية مريرة للقنوات الدينية. تؤكد الدكتورة ليلى عبدالمجيد، عميد كلية الإعلام الأسبق، أن ما يطلق عليه الإعلام دينى كان بمثابة وسيلة للدفاع عن تيار الإسلام السياسى بعيدا عن معايير الإعلام وقواعده ومهنيته فكان لا بد أن يكونوا على رأس الخاسرين فى العملية السياسية لأنهم تحولوا من إعلام مهنى إلى طرف فى صراع سياسى. ولم يكن بعيدا عنها أيضاً الصحف التى تصدر باسم التيارات الدينية مثل «الحرية والعدالة» و«الرحمة» وكانت تتحدث باسم النظام وإنجازاته التى لم يكن يراها غير القائمين عليها فقط. خسرت هذه الصحف لأنها كانت توجه بوصلتها إلى النظام فقط ولم تتوجه إلى الشارع أو المواطن. خسرت بدون أن يتم إغلاقها لكن صدر لها قرار غير رسمى من المواطنين بالمقاطعة التامة فأصبحت تعيش على بضع عشرات من أبناء التيار الذى تنتمى إليه ممن أدمنوا العيش فى طور الخداع. حتى التليفزيون الرسمى جرته الجماعة إلى مستنقع الخاسرين بعد قيام صلاح عبدالمقصود وزير الإعلام السابق بصبغ القنوات بصبغة إخوانية سواء صريحة أو من خلف ستار وتمكن الوزير من زرع رجال الجماعة فى كل القنوات والهيئات التابعة للتليفزيون مما أدى إلى أن يفقد التليفزيون البقية الباقية من مصداقيته على يد الجماعة ووزيرها الذى لم يمارس أى عمل إعلامى أو حتى صحفى باستثناء عضويته فى الحملة الإعلامية للرئيس المعزول أثناء الانتخابات الرئاسية.. فكان من الطبيعى أن ينجرف التليفزيون إلى ساحة الجماعة ويتم تحويل كل من يخالف هذه الرؤية للتحقيق. حتى المؤسسات التى تدير العمل الإعلامى سحبها الإخوان إلى مستنقع الفشل فى ظل سياسة السيطرة والتمكين التى قامت بها الجماعة حيث صبغت المجلس الأعلى للصحافة بالطابع الإخوانى وأصبح المجلس الذى يدير شئون 9 مؤسسات قومية كبرى «صاحب هوى إخوانى» وبالتالى لا بد من الاستعانة بكل من يدعم الجماعة ويؤيد رؤيتهم فيقوم أحد المهندسين باختيار رؤساء الصحف القومية بمسابقات لها معايير تابعة للجماعة لينتهى دور المجلس الأعلى للصحافة فى مقبرة الإخوان. لم تتوقف الخسائر عند القنوات والصحف فقط بل امتدت إلى نجوم من ورق صنعهم الإعلام الإخوانى وجعل منهم أبطالا فى «الشتيمة» ليتصدروا المشهد ويحتلوا الصفوف الأولى فى دولة الإخوان وسرعان ما زالوا بزوال النظام الإخوانى وعلى رأسهم المذيع خالد عبدالله من قناة الناس الذى مارس كل أنواع السب والقذف فى وجه الجميع وكان رأس حربة للنظام الإخوانى فى الهجوم على كل المعارضين للنظام السابق ووصف المتظاهرين بالبلطجية والمأجورين والنيل من سمعتهم واتهامهم بالشذوذ والفجور. لم يتوقف نزيف الخسائر التى تكبدها الإسلاميون من الدعم الأعمى للنظام الفاشل فخرج الإعلامى «نور الدين عبدالصمد» الشهير ب«خميس» من المشهد الإعلامى تماما حتى قبل أن يتم إغلاق قناة مصر 25 وقبله خرج عبدالله بدر على يد إلهام شاهين بعد عمليات التزوير التى قام بها ومنهم أبوإسلام الذى كان كالأسد فى عهد مرسى ثم بدأ يعتذر لكل من أساء لهم بعد سقوط الإخوان. كان المشهد الأخير لرئيس قناة الحكمة «عاطف عبدالرشيد» وهو داخل سيارة الشرطة عند القبض عليه عقب قرار عزل مرسى يعتبر المشهد الختامى لنجوم الفضائيات الإسلاميين بعد جلسات النميمة التى كان يقدمها على الهواء بما تحتويه من سب وقذف وهجوم على المعارضين واتهامهم فى دينهم وشرفهم ليطوى صفحة نجوم القنوات الدينية إلى الأبد. تضيف ليلى عبدالمجيد أن المذيعين الإسلاميين اتخذوا من قنواتهم وسيلة للهجوم والتشوية بل أحيانا للتحريض على ممارسة العنف ضد الخصوم، مؤكدة أن هذه النماذج من أبطال القنوات الفضائية لا يمكن أن نطلق عليهم «مذيعين» بل هى نماذج غير معروفة وليس من السهل أن نطلق على أى شخص أنه إعلامى أو حتى داعية لأن هناك أساسيات للعمل والتأهيل المهنى وهناك أخلاقيات للمهنة وميثاق شرف يجب أن يعملوا من خلاله لكن هذا النموذج كان مفقودا تماما حيث كان الغالب على هؤلاء الخاسرين الطعن فى شرف الخصوم بالإضافة إلى السب والقذف. وتشير «عبدالمجيد» إلى أنه لا حرية بدون مسئولية ونتمنى أن يعيد القائمون على هذه القنوات النظر فى مضمون المحتوى المقدم للمشاهد المتعطش لمعرفة المحتوى الدينى الوسطى بعيدا عن التشدد أو الدعوة إلى العنف، مؤكدة أننا ضد إغلاق القنوات الفضائية وفى نفس الوقت ضد أن تستخدم هذه القنوات لخدمة أغراض ضد السلم الاجتماعى. أخبار متعلقة: الرابحون والخاسرون بعد سقوط «مرسى» القضاة.. انتصار «العدالة» «تمرد».. البطل الشعبى «الأزهر».. «يا جبل ما يهزك ريح» الكنيسة.. تربح «الدولة المدنية» الإعلام.. النجاة من سيف الاغتيال «الأحزاب الدينية».. نهاية التاريخ «الأوقاف».. تخلع عباءة «الوسطية» وتسلم نفسها ل«الإرشاد» آل مكى والاستقلال.. أوراق محروقة