توعد فى أكثر من مناسبة أن يجعل المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين بلا نهاية، وصدق وعده، إنه رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق إسحاق شامير، الذى يعد الأكثر تطرفاً بين الشخصيات الإسرائيلية التى توالت على رئاسة الحكومة الإسرائيلية، فها هو يفارق الحياة مساء أمس الأول فى مؤسسة صحية مغلقة بتل أبيب عن عمر يناهز 96 عاما، تاركاً للإسرائيليين خطاه الإجرامية ليقتفوها، والدليل كلمات رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، التى نعى بها شامير قائلا: «كان من جيل العظماء الذين أقاموا دولة إسرائيل.. وقاد الدولة وسط ولائه المطلق لفكرة أرض الميعاد وقيم الشعب اليهودى». كان شامير المُلقب ب«الرجل الحديدى» من أبرز قادة حزب الليكود اليمينى، تنقل ما بين جهاز الشين بيت «الأمن» والبرلمان ووزارة الخارجية ورئاسة الحكومة ليكون سابع رئيس حكومة منتخب فى إسرائيل وأكثرهم تطرفا فى مواقفه السياسية لا سيما فيما يتعلق بإقامة دولة فلسطينية، إذ رفض الاعتراف بحق الشعب الفلسطينى وبمنظمة التحرير، وعندما فرضت عليه الولاياتالمتحدة عام 1991 المشاركة فى مؤتمر مدريد أعلن فى أكثر من مناسبة عن أنه سيذهب للمفاوضات لكنه سيجعلها مفاوضات لا نهاية لها. ولد رئيس الوزراء الأسبق عام 1915 وعُرف عنه فى شبابه نشاطه السرى فى تنظيم «الليحى» الإرهابى السرى الذى نشط فى فلسطين فى عهد الانتداب البريطانى وقبل النكبة عام 1948، حيث قام بتنظيم عدد من المذابح بحق الفلسطينيين. وبعد النكبة انتقل للعمل فى صفوف الموساد فى سلسلة من المناصب والعمليات السرية، التى لا يزال الغموض يلفها. وفى أوائل الثمانينات دخل المعترك السياسى فى الكنيست، وتولى شامير قيادة الليكود بعد تقاعد زعيم الحزب ومؤسسه «مناحم بيجن» على نحو غير متوقع، وانتُخب فى سن (68 عاما) كأول رئيس لحكومة «وحدة وطنية» عام 1983 حتى عام 1984 ليعود مجددا إلى السلطة عام 1986 حيث نجح فى إبقاء الحكم بأيدى الحزب حتى عام 1992، حينما خسر فى أول انتخابات مباشرة لرئاسة الحكومة أمام إسحاق رابين. وشهدت فترة تولى رئاسة شامير الحكومة عدة أحداث إقليمية ودولية بارزة، على رأسها اشتعال الانتفاضة الفلسطينية واندلاع حرب الخليج التى قام خلالها النظام العراقى السابق بقصف إسرائيل مستخدماً صواريخ إسكود. وبحسب وزير الأمن الإسرائيلى فى عهد شامير، موشيه أرنس، فإن رئيس الوزراء الأسبق، وخلافا للاعتقاد السائد بأنه قرر ضبط النفس خلال حرب الخليج الأولى، كان على وشك توجيه ضربة عسكرية للعراق ردا على إطلاق صواريخ باتجاه إسرائيل، إلا أن الحرب كانت قد وضعت أوزارها قبل تنظيم الهجوم الإسرائيلى. وبعد خروج شامير من رئاسة الحكومة تمكن الرجل الحديدى من الحفاظ على نشاطه لسنوات، فانتقد سياسات نتنياهو، الذى تولى رئاسة الحكومة عام 1996، ودعم أرييل شارون عام 2001، قبل أن يبتعد عن الأضواء مع تقدمه بالسن. وكان المتحدث باسم الكنيست، يوتام ياكير، أعلن عن أن نعش رئيس الوزراء الأسبق سيسجى فى حرم البرلمان ليتسنى للعامة إلقاء النظرة الأخيرة عليه قبل دفنه اليوم فى مقبرة جبل هرتزل فى الجناح المخصص ل«أبطال الأمة».