محير جداً الشعب الفلسطينى.. لن أقول كل الشعب الفلسطينى، ولكن على الأقل أولى الأمر منه.. الذين يتصدرون مقاعد الزعامة والذين يرفعون رايات المقاومة، والذين أسسوا فتح ثم حماس، ومن قبلهم، وكل الذين ينشدون منذ عام 1948 وحتى اليوم أغنية «عائدون.. عائدون». عندما بدأت المأساة منذ عشرينات القرن الماضى وتسللت الهجرة اليهودية إلى أرض الميعاد وبدأت تستولى على الأراضى بالشراء بالأموال الباهظة وإلى يومنا هذا والشعب الفلسطينى يعيش فى حالة من الإنكار بأنه قد بدأ أولى خطوات بيع أرضه والتنازل عن وطنه بالأموال.. بينما الحقيقة أن شركات كبرى للعقارات والمقاولات تكوّنت برؤوس أموال الأثرياء اليهود حول العالم لهذه المهمة.. وعرضوا أضعاف ثمن الأرض واشتروها حتى جاء قرار التقسيم الذى أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة.. تقسيم فلسطين ما بين شعبها والصهاينة بعد أن شيدوا على هذه الأراضى معسكرات كبيرة وجاءوا بكل اليهود من كل بقاع العالم ليعملوا فيها بالزراعة والحرب والقتال ويتمكنوا من مساحات هائلة من فلسطين.. ووُلدت المنظمات العالمية الملعونة استعمارية وكاذبة بعد هذا القرار المشين، وظلت إلى يومنا هذا.. وكان قرار التقسيم فى نوفمبر 1947، وبعده بأيام بدأت المذابح المفزعة بقرى فى حيفا وجنوبالقدس، وبدأ نسف القطارات والقتل والتعذيب حتى بلغت الوحشية قمتها فى مذبحة «دير ياسين» التى قُتل فيها أكثر من 260 من الأهالى، والتى استعملت فيها أنكى أنواع الوحشية، وكانوا يلقون بالكبار والنساء والأطفال من فوق أسطح المنازل ويبقرون بطون الحوامل ويخرجون الأجنة ويضعون القتلى فوق العربات ويطوفون بهم فى الشوارع ويقطعون الأطراف ويضعون الرضع فى أفران الخبز.. وفى أيام خلت «دير ياسين» من سكانها، وكانت أول مستوطنة يهودية وخُلدت أسماء العصابات الصهيونية صاحبة هذا الإنجاز الإنسانى الفريد على أسماء الشوارع، وما زالت أسماء جماعة «شتيرن» و«الأرجون» و«الهاجناه» على شوارع هذه المدينة حتى اليوم.. وانسحبت قوافل الفلسطينيين من ديارهم بالآلاف، وفروا من الرعب ونزحوا بعيداً.. حتى جاء يوم 14 مايو عام 1948 وانسحبت إنجلترا من الانتداب على فلسطين، وأعلن بن جوريون قيام الدولة اليهودية على الأرض اليهودية، وكانت حرب 1948 فى اليوم التالى.. وحاربت مصر لفلسطين وكانت الجيش الأقوى بين الجيوش العربية الرمزية هى والجيش الأردنى ذو القيادة الإنجليزية.. ورغم عدم الاستعداد الكافى فإن النصر كان وشيكاً.. وأبلى المتطوعون وعلى رأسهم البطل أحمد عبدالعزيز صاحب معركة القدس الشهيرة بلاءً حسناً.. حتى كانت مأساة «اللد والرملة» وخيانة ملك الأردن الملك عبدالله.. الذى انسحب بجيشه ليدخل مكانه اليهود.. وخرجت مصر وغزة تحت إدارتها.. وجرح فى هذه الحرب «محمد نجيب» مرتين، وحوصر «عبدالناصر» مع اللواء فى الفالوجا، وأخذ «عبدالحكيم عامر» ترقية ميدانية لبطولته فى معركة العسلوج.. وكانت حرباً مصرية خالصة وتوطن الفلسطينيون فى الأردن والضفة وبدأت أولى محاولاتهم لاحتلال وطن بديل، وكانوا يريدون السيطرة على الأردن حتى كانت مذبحة أيلول الأسود التى قضت على حياة «عبدالناصر» عام 1970 بعد أن سبّه الفلسطينيين وداسوا على صوره بالأقدام.. وقامت منظمة التحرير برئاسة عرفات، ولم تتوان مصر لحظة فى سبيل تحرير فلسطين، ولم يتوانوا هم لحظة فى سبّ مصر وإهانتها وإهانة رؤسائها.. وجاءت حرب 1973 وبدأ بعدها التفاوض على استرجاع الأرض وحل مشكلة فلسطين.. ورفضوا الجلوس فى كامب ديفيد وقالوا عن السادات خائن وعميل، ولم يكسبوا شبراً منذ ذلك اليوم وحتى الآن.. وحاولوا السيطرة على تونس حتى طردوا منها ثم جنوب لبنان حتى طردوا منها.. وكلها محاولات للبحث عن وطن آخر غير فلسطين، بينما يرفعون الأعلام ويهتفون «وينكم يا عرب» ويطلبون من الجميع أن يأتوا بسلاحهم ورجالهم لتحرير فلسطين وهم يهاجرون إلى كل دول العالم، تاركين أرضهم لمن يريد أن يحررها.. ولجأ زعماء العرب إلى وسيلة مريحة حتى يخلدوا للنوم.. أخذوا يبذرون الأموال عليهم، فأصبحت القضية هى الفرخة التى تبيض ذهباً وتكدّست الأموال ل«فتح»، فصممت على بقاء القضية إلى أبد الآبدين والنداء المتواصل عند كل مذبحة «وينكم يا عرب».. إلى أن تفتق ذهن الأبالسة اليهود عن حل سحرى، فكوّنوا منظمة «حماس» ودُربت على أساليب القتال اليهودى القديم واكتسبوا منهم كل خبرة منظمتى «شتيرن» و«الأرجون» الإرهابيتين، وكان الهدف هو «فتح» وبدأت «حماس» فى تصفية كل زعماء وكوادر «فتح» بنفس الأساليب الصهيونية الإجرامية بالقتل والتعذيب والإلقاء من فوق المبانى.. انتهت «فتح» ومات «عرفات» بأيدى الحمساويين غالباً، وحتى تتم المهمة المقدّسة كان 25 يناير 2011 وقامت حماس بالاتفاق مع الإخوان بالسطو المسلح على مصر.. والجائزة هذه المرة كانت الوطن البديل المأمول فى سيناء.. وابحثوا معى فى كل المجازر وأحداث القتل فى العامين الماضيين، وكلما وجدتم إرهاباً وقتلاً وجدتم «حماس» وأذنابهم الراقدين فى العراء فى رابعة العدوية الآن، الذين كانوا يُمهدون لهم الطريق فى التوطن فى سيناء.. من قتل وفجر فى مصر وسيناء ورفح والعريش والسجون وحرق الأقسام والقناصة والمقطم والحرس الجمهورى وبورسعيد والجنود فى رفح وماسبيرو ومجلس الوزراء ومحمد محمود والمجمع العلمى، هم رجال حماس الصهاينة.. من يغتالون شبابنا من الشرطة والجيش الآن هم من رجال حماس.. من ألقى بالشباب الصغير من فوق المنازل فى الإسكندرية هم من تدريب حماس والقسام.. من كانوا يسرقون السولار من مصر لبيعه لليهود، ومن تسبّبوا فى أزمات البنزين والسولار والكهرباء، ومن سرقوا عربات المصريين بالمئات والآلاف وأرسلوها عبر الأنفاق هم حماس، وهذه هى الحرب المقدسة لتحرير فلسطين. يقول التاريخ إنه لم يرَ أبداً شعباً حارب لآخر.. ولا جيشاً حرر أرضاً لشعب آخر.. ولكن التاريخ يعرف شعوباً تركت أوطانها لمحتلين أوغاد وهامت على وجهها تبحث عن أوطان بديلة.. وتاهت وتآكلت وانزوت وضاع ذكرها بعد أن ضاع الوطن وبيعت الأرض والمبادئ والأخلاق فى أسواق الخيانة.. وبعد كل هذا ما زال العرب يضعون اسم فلسطين على خريطة إسرائيل.. ويا عزيزتى حماس.. على يديك انتهت دولة كانت تُدعى منذ زمن «فلسطين».. ولا عزاء للخونة الأنجاس.