المكان: مقر الحزب الوطني بكورنيش النيل. الزمان: 28 يناير 2011. الهدف: إسقاط نظام فاسد. القائم بالمهمة: شباب أعلنوا ثورتهم ضد الخوف ونزعوا قيودهم. النتيجة: إسقاط نظام فاشي وحرق مقره الرئيسي ثأرا من ظلم ساكنيه. ولأن الأيام دُوَل، تبدل المشهد في غضون عامين، وتبدلت المسميات وظل الهدف واحد، وتبدلت الخطة وأصبح الهدف التالي هو مقر تلك الجماعة التي استحوذت على السلطة لمدة عام، في المقطم. وفي مساء 30 يونيو 2013، ينتفض شباب غاضب ثائر متمرد على تِركة الخوف من محاربة المتاجرين بالدين خشية إخراجهم من مِلَّتهم، شاب ضاع دم صديقه الشهيد، وأب مكلوم في ابنٍ لم ينل القصاص، فتاة صفعها إخواني على وجهها فلم يثأر له ولي الأمر. تتمرد بلد أرادوا لها أن تُطلق لحيتها وتركع لحاكم المبنى الأصفر ونائبه في الاتحادية، فأبى كل هؤلاء أن تركع مصر، أو أن تخضع لإرهاب من لا يعرفون قدرها وقدر شعبها. مقاعده أشبه بالكراسي الموسيقية. هكذا تتبدل الأدوار، يوم تجلس السفيرة الأمريكية وآخر يأتي مشعل وهنية. لا مكان بين مقاعد المبنى الفخم سوى للأهل والعشيرة والموالين لقائده. من هنا أعلن محمد بديع أن جماعته لم تعد محظورة، بل أصبح لها مكان يضاهي في فخامته مقر "الوطني" المنحل. لسان حاله آنذاك كان "هنا مقر الحزب الحاكم"، لكن أشهر قليلة فقط كانت مطلوبة كي يعلم الجميع الحقيقة المرة.. من هنا تُحكم مصر. وجهة الرئاسة لم تعد القبة أو الاتحادية، فمكتب إرشاد المقطم هو سيد قراره. لافتة طالما وُضِعت في الأدراج. عشرات الأعوام مرت على تنظيم الإخوان يحلم أعضاؤه بذاك اليوم. ساعة دخلوا مقرهم الجديد بالمقطم كأول مكسب لهم من ثورة اعتقدوا خطأ أنها حكر عليهم، يرمقون بنظرهم أكبر "بُنط" اختاروه للافتة "المركز العام لجماعة الإخوان المسلمين"، يعلوها شعارهم الموجَّه لمعارضيهم "وأعدوا". الإشهار كان حلمهم. من دخل هذا الصرح فهو آمن، ومن وقف خارجه فمصيره الصفع، أسوة بما حدث للناشطة ميرفت موسى، أو الحبس كما حدث لأحمد دومة. كان صرحا من خيال فهوى، لا يفرقون بين رجل وامرأة، ولا يؤمنون بقيم أو تقاليد. الكل خارج مكتب الإرشاد سواء، غنائم حرب تصطادهم قناصة مدربة ومجربة. اعتقدوا أن الداخل إليه مولود والخارج منه مفقود، فخرجوا منه منَكَّسي الرؤوس مطرودين غير مأسوف عليهم. بين ليلة وضحاها، رفع المتظاهرون علما غريبا على المبني وساكنيه، علم ليس بالأخضر أو الأسود، اسمه علم مصر. لسان حال المقر الذي علت أسواره أكثر من مرة ولم تحمِه يقول: "حصِّنها بالعدل يا بديع، لو نفعت مبارك أسواره لنفعتك يا مرسي". الوطنى سقط بعد ثلاثين عاما من السطوة، وقلعة الإخوان لم تصمد في الحكم عاما، وفي الحصار سوى ليلة وضحاها.