تصريح نتنياهو لشبكة CNN بموافقته على أن يكون للفلسطينيين دولة مترابطة «ليس مثل الجبن السويسرى»، جاء بعد ساعات من موافقة حكومته على منح وضع قانونى لثلاثة مواقع استيطانية بالضفة أقيمت دون ترخيص بالتسعينات. لا يمكن، حقيقة، حل الصراع وإقامة دولة فلسطينية مستقلة دون معالجة عدد من القضايا الجوهرية، على رأسها قضية الاستيطان. فالاستيطان أحد الركائز المستمرة للمشروع الصهيونى الذى ما كان له أن ينجح دون الاستيلاء على الأراضى الفلسطينية ودون تهجير الجماعات اليهودية من أوروبا ثم من الدول المشرقية. وقد أرسى هرتزل، مؤسس الصهيونية، هذا الأمر مبكرا عندما كتب فى «الدولة اليهودية» أنه «لا ينبغى أن نتصور أن رحيل اليهود سيكون رحيلا مفاجئا، وإنما سيكون رحيلا تدريجيا ومستمرا على مدى عدة عقود من الزمان». و«إسرائيل» هى الدولة الوحيدة التى أعلنت فى وثيقة قيامها أنها ستكون «مفتوحة الأبواب» لما سمته «الهجرة اليهودية». ومنذ قيام الدولة تم وضع الأطر القانونية والإدارية للاستيلاء على الأرض واستيطانها، وما تطلبه هذا من تبريرات تاريخية ودينية لتهجير اليهود، وتدابير عسكرية وإدارية لطرد أصحاب البلاد الأصليين. ثم شرعت الحكومات المتعاقبة فى التنفيذ وفرض الوقائع على الأرض منذ 1967 وحتى اليوم. وظل الهدف هو تأمين جميع الاحتياجات الأمنية للدولة بإقامة مستوطنات بمواقع استراتيجية بالضفة والقطاع والقدس والجولان، وبما يضمن وصل المستوطنات ببعضها البعض، وفصل المدن والقرى الفلسطينية عن بعضها البعض، والتى يوجد بينها اليوم أكثر من 500 حاجز عسكرى. وفى التسعينات تم الاستيلاء على نحو 1?4 ? من أراضى الضفة لبناء طرق التفافية لربط المستوطنات، ومنذ 2002 أقيم الجدار العازل لتتحول التجمعات الفلسطينية لجيوب منعزلة. وحسب القانون الدولى فإن الاستيطان وطرد ونقل السكان الخاضعين للاحتلال مخالف لاتفاقيات لاهاى 1907 واتفاقيات جنيف الرابعة 1949 ولميثاق الأممالمتحدة وللعهدين الدوليين للحقوق الاجتماعية والاقتصادية والمدنية والسياسية، ولميثاق حقوق الإنسان 1948، ولقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة التى رفضت منح الشرعية للمستوطنات ودعت إلى وقف الاستيطان. اختراق الالتزامات التى حددتها منظومة القانون الدولى الإنسانى بقوة الاحتلال تجاه سكان الأراضى المحتلة وممتلكاتهم يعد من «جرائم الحرب» حسب المادة 58 من بروتوكول جنيف الأول. إننا إزاء كيان غير قابل، بتركيبته الحالية، للتعايش مع غيره، فالاستيطان يتعارض مع القانون الدولى ومع حقوق الشعب الفلسطينى ويتناقض، منطقيا، مع إمكانية قيام دولة فلسطينية على أرض يشغلها آخرون.