الإنترنت عالمنا الذى وحدنا وأرسلنا موجا هادرا إلى كل ميادين مصر، ولتعى ذاك صديقى البعيد عنه، عليك أن تفهم كيف كنا، وإلى أين أصبحنا. قبل الثورة كنت أجلس ساعات طويلة على الإنترنت أنا وأصدقائى من عدة أماكن من مصر، كنا نتكلم ونتحدث ونتناقش ونعلم نفسنا فكرا جديدا عن باقى الأجيال التى لا تجيد التنقل عبر صفحات الإنترنت، كان عالمنا فيه نتناقش عن مشاكلنا ألمنا أحلامنا، نتحدث لإخراج ما بنا من ألم، نرسو بكل سفن الضيق من عالمنا الحقيقى بعالمنا الافتراضى، ظل ذاك طويلا إلى أن جاءت ثورة تونس، كانت المفتاح. كان انفجار الثورة التونسية مفتاح تحول كل أوقاتنا على الإنترنت إلى السياسة، فلم نكن نتكلم بها طوال الوقت، لكن كانت مشاكلنا تصب فيها دون أن ندرى، ولكن ثورة تونس صنعت بنا الأمل أذكر أنه حينما هرب رئيسها المخلوع إلى السعودية أرسلت لأصدقائى التونسيين رسائل تهنئة لأبارك لهم انتصارهم على الظلم وقيام الثورة، يومها وضعت حالة لى على صفحتى بالفيس بوك قلت فيها: «يبدو أن أحفاد الزناتى خليفة صاروا ثوارا أما أحفاد على الزيبق نسوا معنى الثورة». كانت أملا بثورة لنا، ولكن لم أكن أكشف الغيب فهو ملك الله فقط، لكنى أملت أن يسمعنى أحد، وفجأة وجدت دعوة «كلنا خالد سعيد» ليوم 25 يناير، نشرتها وكنت أقول يبدو أن قلوبنا كلها سمعت نداء الثورة من تونس.. بدأنا نتكلم عن أوضاعنا ألمنا حياتنا ضائعة وأحلامنا المهدرة بين جنبات البحث عن أى شىء يحفظ لك الحياة وليست الكرامة فقط.. كان الإعلام وقتها يقول مصر ليست تونس، وكأنهم علموا الغيب، لم يفهموا أن الشباب لن يعودوا إلا بصنع تاريخ أكبر من ثورة تونس، كنت أسمعهم وأضحك قبل يوم 25 يناير، قابلت شخصا عزيزا علىّ قال إن الرئيس سيعطيهم زيادات فى الرواتب ومن الممكن أن يقيل وزيرا ثم تنتهى تلك الهوجة.. كنت أبتسم، وقلت ذاك الشباب ليسوا جياعا إننا نريد وطنا لا زيادة فى راتب أو رحيل وزير، رد علىّ بابتسامة وقال الشعب الجائع يريد.. قلت له الشعب آن أن يثور.. قامت الثورة وكان الإنترنت يومها ميدان الثورة الصغير، المعلومات وكل شىء، شهيدا السويس رحمهم الله هما من أشعلا قلوبنا إنها الثورة.. وبدأت الدعوة لجمعة الغضب، الكل كان ينشر ويتكلم ويحفز، يومها كان الفيس بوك يرسم طريق الثورة، كانت كلماتنا واحدة مضمونها واحد حلمها الثورة. كنت أتكلم مع صديق لى قبل قطع خدمة الإنترنت عن مصر يوم الخميس قبيل يوم جمعة الغضب، عن توقعاتنا بمدى نجاح الغد، وكنت أقول له إننا سننجح فى ثورتنا، ولكن ليس الغد، إنى أظن أن قوات الأمن المركزى ستظل صامدة لفترة طويلة أكثر من أربعة أيام، أظنها ستبقى إلى بداية الأسبوع الثانى لاندلاع الأحداث، ومن الممكن أننا سنحظى بجمعة غضب أخرى، لكن المهم أن يخرج كل شباب مصر إلى كل ميادين مصر حتى فى القرى، ليخرجوا.. لا يجب أن نترك الشباب يزحفون للتحرير وحدهم يجب أن يكون بكل مدينة ميدان تحرير نزحف إليه. وكانت تلك هى الدعوة التى قرأتها عن جمعة الغضب، ويبدو أن كل المصريين قرأوا ذاك المنشور لجمعة الغضب على الفيس بوك فصاروا ينشرون تلك الفكرة على الفيس فانتشرت كالنار فى الهشيم، وكان قرار قطع خدمة الإنترنت عن مصر كلها، وكانت الحركة التى جمعتنا فى العالم الحقيقى قبل يوم جمعة الغضب، أظن أن كل الناس التى كانت تهرع إلى العالم الافتراضى نزلت ذاك اليوم إلى العالم الحقيقى لأنه سرق منهم الملاذ الذى كانوا يهربون إليه من العالم الحقيقى، فكانت الثورة وكانت صلاة الجمعة والزحف إلى ميدان مدينتى، وبدأت أمطار قنابل الغاز وطلقات المطاط ثم طلقات النار، كل ما أذكره عن ذاك اليوم أننا تحولنا إلى شباب الحجارة وكأنه السلاح الأول لدى كل العرب، وكلمات صديقى حينما مرت إحدى الطلقات من أمامه، ويقول إنه قد رأى الموت بعينيه، إما أن يعود بالنصر وإما الموت، وفجأة انسحبت الشرطة واختفت، وفجأة بدأ احتراق كل أركان النظام فى مدينتى، وبعد محاولات من الهروب من أدخنة الحرائق وصلنا إلى البيت لنعرف أن الجيش قد انتشر وأن الشرطة اختفت من البلاد.. يومها جلست أنا وصديق لى نتناقش فى ما يحدث فى البلد، لم نصل إلى شىء وعرفنا يومها أكثر من أى يوم قيمة ذاك الاختراع العبقرى الإنترنت، ليس فى نشر الخبر بل لتجميعنا على فكرة واحدة وتوحيد رؤانا على طريق واحد، فلو أردت أن تعرف كيف قامت الثورة ابحث لتعلم أنها لم تكن فكرة شخص واحد أو حتى مجموعة بل كانت فكرة شباب مصر جميعهم، كلهم أضاف رؤية له فى الطريق إلى الثورة. ولذا علينا أنا وأنت وكل شباب مصر أن نعود كما كنا قبيل يوم جمعة الغضب على فكر واحد.. رؤانا تتكثف لترسم لنا رؤية كبيرة كما كانت الثورة.. علينا أن نتحد ولا نتفرق، أن نرسم طريقنا بفكرنا، وليس لدينا وقت للدخول فى مناقشات التفتيت التى بدأت بيننا فور عودة خدمة الإنترنت لنا قبل أحداث موقعة الجمل.