إنها الثانية ظهرا، لم يتبقَ الكثير من الوقت ليحين الموعد المحدد لانقطاع التيار الكهربائي عن مستشفى الشفاء بقطاع غزة، ينتظر أهالي المرضى ذويهم أمام باب قسم "العناية المركزة" وقلوبهم تخفق خوفا، خاصةً وأنهم موصلون بأجهزة طبية تعمل بالكهرباء. هو مشهدٌ لا زال قطاع غزة يعيشه، بينما اشتدت حدته في السنة الثانية من الحصار الإسرائيلي المفروض منذ عام 2006؛ حيث تشهد مستشفيات القطاع انقطاعا يوميا للتيار الكهربائي، لمدة لا تقل عن 8 ساعات تقريبا، وتسبب الانقطاع بوفاة الكثير من المرضى داخل المستشفيات. الطفل محمد عبد الله، وهو أحد ضحايا الحصار الإسرائيلي، فاضت روحه؛ إثر انقطاع التيار الكهربائي عن مستشفى الشفاء، في السنة الجارية، وبالتالي انقطاعه عن الجهاز التنفس الصناعي، الذي كان موصولا بجسده. وكان قطاع غزة قد شهد عام 2008 أزمة وقود، حيث توقف إدخال البنزين وأنواع الوقود الأخرى إلى غزة؛ مما تسبب في صعوبة تشغيل المولدات الكهربائية التي تعمل بالوقود داخل المستشفيات، ولا زال قطاع غزة يشهد من آن إلى آخر الأزمة ذاتها. وقد فرضت إسرائيل حصارا على قطاع غزة أوائل 2006؛ إثر فوز حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني "البرلمان"، ثم شددته عقب سيطرة الحركة على قطاع غزة في يونيو2007. وتسبب الحصار الإسرائيلي في إغلاق المعابر الحدودية، التي تفصل قطاع غزة عن مصر وإسرائيل؛ مما تسبب في منع إدخال الأدوية والبضائع إلى القطاع، الذي يعيش فيه حوالي 1.8 مليون نسمة. وحول أثر الحصار على القطاع الصحي، يقول مدير دائرة العلاقات العامة والإعلام بوزارة الصحة في غزة، أشرف القدرة: "إن أكثر الفئات تضررا خلال سنوات الحصار هم فئة مرضى الكلى، والسرطان، حيث عانوا من نفاد الأدوية؛ مما فاقم وضعهم الصحي وتسبب في وفاة بعضهم". ووصل عدد ضحايا الحصار الإسرائيلي من المرضى إلى 500 حالة وفاة، وأُرجعت أسباب الوفاة إلى نفاد الأدوية، وانقطاع التيار الكهربائي عن الأجهزة الطبية في المستشفيات، إلا أن السبب الرئيسي للوفاة كان منع المرضى من السفر للخارج أو للأراضي المحتلة لتلقي العلاج، بحسب وزارة الصحة في غزة. ويشير القدرة إلى أن "خمسة توائم توفوا بسبب نفاد حقنة (الترافاستنت)، كما توفي ثلاثة أطفال كانوا يستخدمون أجهزة التنفس الصناعي داخل بيوتهم؛ بسبب الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي". ويضيف أن "وزارة الصحة استطاعت تغطية أكثر من 80% من الأدوية المفقودة بالشراكة والتعاون مع المؤسسات الدولية والإقليمية والمحلية، وأدخلت أجهزة طبية لمرضى الكلى وقسطرة القلب، وأجهزة أشعة". ويذكر القدرة أن "وزارة الصحة رغم الحصار إلا أنها طوّرت من مهارات الكادر الطبي من خلال التعاون مع الوفود الطبية التي تأتي لقطاع غزة، وكذلك عبر إجراء عمليات جراحية أولى من نوعها في غزة، بشكل قلص من عدد المرضى الذين تستوجب حالتهم السفر للعلاج بالخارج". بدوره، يوضح مدير عام الصيدلة في وزارة الصحة بغرة الدكتور أشرف أبومهادي، إن "قطاع غزة لا زال يعاني من صعوبة في إدخال الأدوية، فلا زالت مستشفيات القطاع تعاني من نقص في القطاع الدوائي، لا سيّما الدواء غالي الثمن". ويضيف أبومهادي أن "القطاع الدوائي عاني كثيرا من مشكلة نفاد الأدوية في بداية الحصار، إلا أن هذه المشكلة تم اجتياز نسبيا من خلال إدخال الأدوية عن طريق المعابر الحدودية". وأمام تزايد صرخات المؤسسات الحقوقية والإنسانية للتدخل لفك الحصار، نجح 44 من المتضامنين الدوليين يوم 23 أغسطس 2008 في تسيير أول قافلة بحرية لكسر الحصار المفروض على القطاع، وحملت قافلة "غزة الحرة" على متنها مساعدات إنسانية وطبية وتواصلت بعدها ظاهرة تسيير السفن والقوافل البحرية والبرية للتضامن مع غزة. وبحسب أبو مهادي "لا تزال الوزارة تعاني من العجز المالي ما يحول دون شراء الأدوية والمستلزمات الطبية". ويفيد تقرير لوزارة الصحة، أصدرته مع بداية الشهر الجاري، أن أن القطاع الدوائي في غزة يعاني من نقص 115 صنف دوائي من أصل 478 صنف، كما يعاني من نقص 473 من أصل 902 من المهمات الطبية. وعن التحديات التي واجهها القطاع الصحي في سنوات الحصار، يقول مدير عام مستشفيات قطاع غزة، يوسف أبو الريش: إن "أصعب التحديات التي واجهها القطاع الصحي تمثلت في نقص الدواء والمستلزمات والمهمات الطبية، كما واجه تعطل الأجهزة الطبية، ونقص في الوقود المشغّل لمولدات المستشفيات".