«أحبُّك، وأعتبرك مفجر ثورة يناير المُغتالة، لكننى لا أستطيع أن أمنع غُصّة فى حلقى تناوبنى كلما ذُكر اسمُك! لو لم تخذلنا بانسحابك من الانتخابات الرئاسية، ما حدث لنا ما حدث!» فقال: «كان من الممكن أن أكسب الرئاسة، وأخسر نفسى. فاخترتُ ضميرى، وانسحبت». كانت مفاجأة سارّة حين انضم إلينا د.محمد البرادعى فى اعتصام المثقفين بوزارة الثقافة، يوم عيد ميلاده، فأطفأنا معه شموع التورتة. وسألته ذاك السؤال، وأجابنى بتلك الإجابة. أعلم كَم وهول الاغتيالات المعنوية التى مورست على د.محمد البرادعى فى نظام مبارك الفاشى، ثم فى نظام الإخوان الأكثر فاشية. وكنتُ شاهدة على اغتيالاته، وكتبتُ حولها العديد من المقالات. حينما كرّمت جامعة القاهرة السيدة سوزان مبارك، وضعوا صوراً لكل من منحتهم الجامعةُ الدكتوراه الفخرية، وأغفلوا صورة البرادعى! فكتبتُ مقالاً غاضباً فى «المصرى اليوم» بتاريخ 4-10-2010، عنوانه «وجه البرادعى على جدارية الجامعة». وحين استباح المجرمون المرضى عُبّاد شهواتهم صورَ بناته بملابس البحر على صفحات الإنترنت، كتبتُ مقالاً غاضباً عنوانه «صور آل البرادعى» فى «المصرى اليوم» بتاريخ 13-9-2010. وحينما أفتى «متأسلمٌ» بقتله لأنه يدعو للخروج على الحاكم، كتبت ب«اليوم السابع» مقالاً غاضباً عنوانه «وجوب قتل مليون برادعى فى مصر» بتاريخ 29-12-2010. وحينما شيّد نحّاتٌ «منافق» تمثالاً ضخماً فى مدينة الشيخ زايد، واضعاً به وجوه: «السادات - نجيب محفوظ - زويل - مبارك»، كتبتُ مقالاً غاضباً بالمصرى اليوم عنوانه «جبل راشمور فى الشيخ زايد» 2-8-2010، متسائلة: ما الذى زج بمبارك بين المصريين الحاصلين على نوبل؟ إذ كان لا بد من حذف وجه «مبارك» ووضع وجه «البرادعى» لأنه رابع من حصدوا نوبل لمصر. كل ما سبق كان قبل الثورة حينما اجتهد نظام مبارك فى إقصاء الرجل وتغييبه عن المشهد. لكن نظام مبارك لم يكن فى صفاقة وركاكة النظام الإخوانى الذى لم يكتف بإقصائه، بل عمد إلى تشويه سيرة الرجل النبيل وإطلاق الشائعات الرخيصة حتى صدّق بعض البسطاء محدودى العقل أنه غير وطنى، دون أن يقرأوا تاريخه الوطنى ليعرفوا وقوفه فى وجه مبارك. هو الذى قال «لا»، وقتَ انبطح المرشد قائلاً «إن مبارك أبٌ للمصريين جميعاً ولا مانع من ترشّح جمال مبارك للرئاسة»! وحين داهن السيد مرسى رموزَ النظام السابق قائلاً: «لن ندفع بمرشحين من الإخوان للانتخابات البرلمانية 2010، لأننا نحترم رموزاً وطنية مثل أحمد عز، وفتحى سرور».!!!!! وبعد الثورة، وحين «خذلنا» البرادعى وانسحب من السباق الرئاسى، كتبتُ مقالاً غاضباً باليوم السابع بتاريخ 10 أبريل 2012، عنوانه «نداءٌ متأخر للدكتور البرادعى»، وكأننى أستشرفُ الهوانَ الذى سيلحق بمصر بانسحابه، ما أدى بنا إلى الابتلاء الصعب بشخص ركل سُلّم الديمقراطية بعدما اعتلاه وصولاً إلى عرش مصر! انسحب الرجل لأنه نبيلٌ، مثقفُ الروح، عزيزُ النفس. لن يقبل الانبطاح تحت حذاء الأمريكان والصهاينة كما فعل الرئيس الإخوانى. انسحب لأنه يخشى على تاريخه، عكس مَن لا تاريخ له؛ ففَجَر. لهذا يقول المثل الإنجليزى: «لا تخشَ إلا مَن ليس لديه ما يفقده». لأنه سيكون صفيقاً فاجراً لا يملك تاريخاً يخاف من تلويثه. انسحب لأنه «تعب» من التشويه والقتل المعنوى. ولكن، مَن منَا لم يُشوّه ويُقتل كل يوم ألفَ مرة. كلُّ مَن عارض الإخوان أُطلقت حوله الشائعات وخيضَ فى عرضه، وأنا منهم. لكننا نتحمل فى صبر المؤمنين لأننا نعلم أن الله كاشفٌ زيفهم عمّا قريب. فغداً يعرف الغافلون أنهم مدينون لنا باعتذار يرنّ صداه فى جنبات الكون. أرجو ألا يخذلنا البرادعى من جديد. وموعدنا 30 يونيو.