مرة أخرى يثبت الشعب المصرى قدرته على إبداع أساليب جديدة لضمان استمرار الثورة، فقد استند إلى المليونيات منذ 25 يناير 2011 للضغط من أجل خلع مبارك وتصفية أجهزة ومنظمات حكمه، ومحاكمة رموز النظام. وعندما استنفدت المليونيات أغراضها، اكتشف الشعب المصرى سلاح الاعتصام فى ميدان التحرير وميادين أخرى واصل من خلالها نضاله من أجل استمرار قوة الدفع الثورى والحصول على تنازلات من السلطة. وعندما أشير هنا إلى الشعب فإننى أعنى الشباب فى مقدمة القوى التى حركت الأحداث وطورت أساليب النضال والتحركات الثورية. فالشعب والشباب فى المقدمة منه وحدة نضالية متماسكة أثبتت قدرتها على الصمود فى مواجهة السلطة فى المرحلة الانتقالية عندما تولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة السلطة محاولاً تثبيت أركان النظام القديم والحيلولة دون استمرار الثورة فواجهه الشباب بشجاعة ملحوظة وتجاوبت جموع الشعب مع مواقف الشباب، وخاض الجميع معارك عديدة فى مقدمتها رفضه الدستور أولاً، وإنهاء المرحلة الانتقالية بتسليم السلطة من العسكريين إلى المدنيين، وطرحت فى هذا السياق فكرة المجلس الرئاسى المدنى، وكانت هناك أيضاً معارك مواجهة الإعلان الدستورى الاستبدادى الذى أصدره الرئيس محمد مرسى فى 21 نوفمبر 2012، ودعوة المواطنين إلى التصويت ب(لا) على الدستور غير التوافقى. وكانت هذه المعارك جميعها تدور فى أجواء محمومة سقط خلالها مئات الشهداء وآلاف المصابين وأثبتت الأجيال الجديدة من شباب مصر أنها تريد التغيير، وأنها على استعداد لدفع ثمن التغيير من أرواحها ودمائها وأجسادها. وها نحن أمام معركة جديدة ليست ككل المعارك السابقة بل هى تدور حول المسألة الجوهرية للثورة المصرية. لأن نقطة الضعف الكبيرة فى مسيرة الثورة أن القوى التى قامت بها لم تتمكن من استلام السلطة بعد خلع مبارك. لم تكن هناك قوى سياسية ثورية جاهزة لاستلام السلطة، وعانت مصر طويلاً وعلى مدار أكثر من عامين من عجز قوى الثورة عن استلام السلطة، ولم تتحقق تغييرات ثورية تذكر خلال الفترة الانتقالية سواء بإعادة هيكلة أجهزة الأمن وفق فلسفة جديدة تقوم على تطبيق القانون فى إطار احترام حقوق الإنسان المصرى، أو إصدار قانون العدالة الانتقالية لإجراء محاكمات عاجلة لمن أجرم فى حق الشعب ومارس الإفساد السياسى وتزوير الانتخابات واحتكار الحكم ونهب ثروات البلاد واعتقال الخصوم السياسيين وتعذيبهم، وكذلك إصدار دستور ديمقراطى يكون موضع إجماع وطنى واضح يقيم نظام حكم يكون الشعب هو السيد فيه.. ورغم الإخفاقات المتكررة مع بعض النجاح فإن الحقيقة الكبرى فى هذا المشهد السياسى الممتد على مدار أكثر من عامين هو إصرار شباب مصر على استمرار الثورة ومساندة الشعب لهم ومشاركتهم فى كل معاركهم الكبرى. وكانت المسيرات الجماهيرية الطويلة من مختلف الأحياء إلى ميدان التحرير أو قصر الاتحادية وفى مختلف المحافظات أكبر دليل على تمسك الشعب بثورته وعلى إصراره على سلمية الثورة فلم تحدث واقعة عنف واحدة أثناء هذه المسيرات الكبرى الحاشدة أو أثناء وجود التجمع الجماهيرى الكبير فى كل ميدان، بل كان العنف يحدث بعد انصراف الجماهير، وعلى أطراف التجمعات بين بضع عشرات وأجهزة الأمن ولا أحد يعرف حتى الآن لماذا يحدث ذلك، ويشير الكثيرون إلى الطرف الثالث صاحب المصلحة بالانحراف بمسيرة الثورة عن طابعها السلمى الذى ميزها أمام العالم كله. والآن يتجدد الأمل فى أن تعوض الثورة نقطة الضعف وأن تستكمل قدرتها على تحقيق أهدافها من خلال المطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة، فقد أثبت الدكتور محمد مرسى أنه لا ينتمى إلى الثورة ولا يعمل وفق أهدافها بل يستخدم منصبه لتمكين جماعته من مفاصل الدولة وأجهزتها الحساسة. ولهذا فعندما طرحت حملة تمرد بواسطة عدد من الشباب المصرى فكرة بسيطة هى جمع توقيعات المواطنين على المطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة كان هذا طرحاً عبقرياً منهم، لأن هذا الإجراء يمكّن الثورة من أن تقدم أحد رموزها لهذه الانتخابات، وعندما يفوز فإنها تكون بذلك قد تداركت نقطة الضعف الخطيرة فى مسيرتها عندما عجزت منذ البداية عن استلام السلطة. ولأنها بهذا المطلب تحافظ على سلمية الثورة. ونحن لم نفاجأ بالحملات الضارية التى تشنها الآن جماعة الإخوان المسلمين والقوى الحليفة لها لتخويف المواطنين من المشاركة فى الحدث الكبير يوم 30 يونيو فى كل ميادين مصر ومدنها وقراها للمطالبة بالانتخابات الرئاسية المبكرة. ويهدد هؤلاء المواطنين بأن العنف سيكون سيد الموقف بل يحولون هذه العملية الثورية إلى معركة طائفية باتهام الأقباط أنهم القوى المحركة وتهديد الكنيسة أنها سوف تفقد أبناءها إذا شاركوا فى المسيرة الثورية. لهذا كله فإن نجاح هذه العملية يتطلب أن تتمسك القوى الثورية بمطلب الانتخابات الرئاسية المبكرة فقط وأن تستبعد كل الدعوات الدخيلة التى يطالب بعضها بعودة الجيش إلى السلطة أو بتشكيل مجلس رئاسى مدنى يضم أحد العسكريين فهذه الدعوات انحراف صريح عن جوهر العملية الثورية. نحن نريد انتخابات رئاسية مبكرة وحكومة محايدة وتعديل الدستور، لكى تتمكن قوى الثورة من تولى السلطة التنفيذية لاستكمال الثورة وتحقيق أهدافها.